تقرير حول كتاب «يهود المغرب والأندلس» لـ حاييم الزعفراني
العدد 56 - فضاء النشر
تمهيد:
من خلال هذا المقال، سنقدم عرضا لكتاب «يهود المغرب والأندلس» لصاحبه حاييم الزعفراني.
وقد اخترنا هذا الكتاب، باعتباره أهم المصادر المتاحة حول الثقافة الشعبية اليهودية المغربية، وجماع لكل ما قدمه صاحبه في كتبه السابقة.
التعريف بالكتاب:
قدم هذا الكتاب سنة 1996 باللغة الفرنسية، وترجمه أحمد شحلان سنة 2000.
وكان الهدف من ورائه الإحاطة التامة بالمجتمعين اليهودي الأندلسي واليهودي المغربي؛ من حيث تاريخهما، فلسفتهما، المعارف والعطاءات الفنية التي أنتجها كل منهما، ثقافتهما والحياة الاقتصادية والدينية، والتجارب الاجتماعية التي مر بها كل منهما أثناء احتكاكه بالمجتمعات والثقافات المجاورة له، مع إبراز نقط الالتقاء والاختلاف بينهما.
موضوعات الكتاب:
قسم هذا الكتاب إلى تمهيد وسبعة فصول ثم خاتمة، سنتطرق إلى أهم العناصر التي وردت في كل منها.
تمهيد: مجتمعان متوازيان:
كتمهيد للكتاب، يوضح الزعفراني أن الهدف من هذا العمل، هو إبراز التشابه الموجود بين المجتمع اليهودي الأندلسي قبل التهجير من الأندلس، والمجتمع اليهودي المغربي بعد التهجير.
الفصل الأول: مصير يهودية الغرب الإسلامي:
خلال هذا الفصل، يعيدنا صاحب الكتاب إلى أهم المحطات في تاريخ اليهود المغاربة على أرض المغرب وإسبانيا. فعلى مستوى المغرب يعتبر اليهود ثاني مجموعة إثنية تستقر على أرضه بعد الأمازيغ. لكن الشواهد التاريخية المتوفرة، التي تؤكد وجودهم في المغرب تعود إلى العهد الإغريقي الروماني. أما على مستوى شبه الجزيرة الإبيرية فيقول حاييم أن وجودهم يعود إلى العهد الفينيقي مع الحركات التجارية.
الفصل الثاني: اليهودية المغربية بين المشرق والأندلس:
تدور موضوعات هذا الفصل، حول فكرة رئيسة مفادها أن الموقع الجغرافي المتميز الذي يحتله المغرب بين قطبين، الشرق بعلومه الدينية والغرب الأندلسي بعطاءاته الفنية والفكرية والفلسفية؛ سيجعل من هذا البلد موطنا متميزا على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي بالنسبة لليهود الذين استقروا فيه، حيث سترافقهم هذه الثنائية والازدواجية بشكل دائم وتؤثر على مسارهم الفكري والاجتماعي والثقافي.
الفصل الثالث: الحوار المجتمعي والثقافي اليهودي الإسلامي في الأندلس والمغرب:
يستمر حاييم في هذا الفصل، في وصفه لصور التعايش الاجتماعي والثقافي اليهودي الإسلامي على أرض المغرب والأندلس، مبرزا كيف استطاعت الطائفة اليهودية في الأندلس والمغرب أن تحقق ازدواجية داخلية وتكامل بين هويتها الدينية وطبيعة مجتمعها؛ إذ حافظت على تشبثها بديانتها ومبادئها التشريعية، وفي نفس الوقت اندمجت وارتبطت بمجتمعها المحلي ومتغيراته الداخلية من جغرافيا وتاريخ ولغة وثقافة ومؤسسة حاكمة.
وأكد الزعفراني على أن السبب الرئيسي لتحقيق هذا التعايش والتحاور كان تسامح السلاطين المغاربة مع اليهود وخاصة منهم السلاطين والملوك العلويين.
ينتقل بنا المؤلف إلى عنوان جديد هو: “ملتقى الأفكار والثقافات: التراث الأندلسي الموريسكي، مرجع أول للإبداع الأدبي اليهودي المغربي”، أكد فيه على الدور الكبير الذي لعبته المدرسة الأندلسية بالنسبة للعلماء اليهود المغاربة؛ فقد كانت حاضرة وبقوة في مجاميع الفتاوى الجماعية والفتاوى الفردية التي أقروها، ومصدرا لا غنى عنه.
ونظرا لإيمان الكاتب بذلك التشابه بين المجتمعين المسلم واليهودي فإنه حاول تقديم نقاط التقاطع بينهما على المستوى الأدبي، اللغوي، التصوف وغيرها.
فعلى المستوى التعليمي كان هناك تشابه كبير بين مراحل التعلم التي يمر بها كل من التلميذ المسلم واليهودي، إذ يبتدأ مسار المتعلم اليهودي بالتحاقه «بالحدر» وهو بمثابة مدرسة أولية، يكون التركيز الكبير فيها على الحفظ والتعلم بالطريقة التقليدية المعتمدة على الذاكرة، وهو نفس الشيء الذي يعتمده التعليم في «المَسِيد» عند المسلمين.
ينتقل بنا الكتاب إلى المقارنة بين ما هو فكري وثقافي في المجتمع اليهودي والإسلامي في الأندلس والمغرب، على مستوى المجال اللغوي والأدبي. حيث أوضح التناغم الموجود بين هذين المجتمعين فيه، فقد اتخذ اليهود اللغة العربية لغة لأعمالهم الأدبية والمعرفية الدينية والدنيوية، كما اعتمدوا اللغة العربية بدل الآرامية في تلاوة النصوص التوراتية. وتوج هذا التناغم بين المجتمعين بإنتاج معاجم عربية بخط عبري منها معجم داوود بن إبراهام الفاسي.
أما على المستوى الفلسفي فقد كان للفكر الفلسفي الإسلامي أكبر حيز من الظهور في الفلسفة اليهودية بالأندلس. هذه الفلسفة التي ستعرف ازدهارا وتوسعا بفضل نفود العلم ومنهج التفكير الإغريقي إليها عن طريق الكتابات العربية. وقد طرح في هذا الصدد الكاتب قضية مهمة ألا وهي بلورة الفلسفة الإسلامية للمعاني الفلسفية الإغريقية في قوالب تتماشى مع مفهوم التوحيد، وهو ما أزال ذلك التردد الذي كان موجودا منذ القدم لدى اليهود تجاه الحضارة الإغريقية الوثنية.
يتطرق الكتاب بعد هذا إلى عنوان جديد: «الوعي والذاكرة الأندلسية الموريسكية في تقاليد يهود المغرب الشعرية والموسيقة»، وخلاله يدخلنا إلى تاريخ الشعر والموسيقى الأندلسية اليهودية والمغربية اليهودية، من حيث مواضيعها أشكالها وأهم روادها وأعلامها.
في المحور الموالي والمعنون «بمجال الـتـصـوف وأدب الـقـبـالا، الـتـراث الأندلسي»، تطرق الكاتب لتاريخ التصوف اليهودي، وأوضح أن أبرز المحطات التي عاشها هي التي كانت بالجنوب المغربي وبالضبط درعة وبعض المناطق الشرقية ثم مدينة الصويرة، حيث أصبح لكتاب الزهار عند أهلها مكانة جد عالية توازي مكانة التلمود الدينية. وصاحب هذا الاهتمام بالتصوف عند الأهالي إنتاجات إبداعية غزيرة في نفس السياق.
ثم تطرق للعلاقة بين السحر والدين سواء اليهودي أو الإسلامي في المغرب، وحاول إبراز نقاط الاختلاف والتشابه بين السحر اليهودي في المغرب والسحر الإسلامي(1).
وانتقل بعد ذلك إلى محور عنونه «بالمجال الأدبي العامي والشعبي»، تطرق فيه إلى أهمية الإبداعات الأدبية الشعبية اليهودية المغربية، وأهم مميزاتها. ونوضح هذه المميزات فيما يأتي:
- إبداع شفهي.
- تعكس المعارف والأعراف الموجودة في المجتمع.
- تؤدي وظيفة التربية والتعليم والترفيه.
- موضوعاتها متنوعة، كالتاريخ، الدين، العرق والمجتمع.
- تطغى عليها العاطفة، والتعبير الصادق.
تتميز بثنائية المشترك والخاص، فقد اشتركت مع الأدب الشعبي المغربي في استعمال نفس وسائل التعبير، وفي المواضيع كالحب والغزل والفراق مثال قصيدة المحبوب والقفطان، إلا أنه حافظ على خصوصيتها الذاتية، التي تظهر بشكل واضح في الجانب الديني منها.
أما أخر مجال تطرق إليه الكتاب في هذا الفصل فقد عنون بالمجال القضائي النوازل الربية والفتاوي في الأندلس والمغرب، أكد من خلاله حاييم على أنه من خصائص التشريع اليهودي المغربي، انضباطه للعرف والعادات المغربية من جهة، ومن جهة أخرى تأثره بالمدرسة الأندلسية.
الفصل الرابع: «التهجير من إسبانيا والبرتغال، العالم العربي يفتح الأذرع»
الموضوع الأساسي في هذا الفصل الأخير من الجزء الأول، هو قضية تهجير اليهود من الأندلس، نحو الأراضي المغاربية ابتداء من سنة 1492 إلى سنة 1497، والصعوبات التي رافقتهم أثناء التهجير، وكيف ترسخ هذا الحدث المؤلم في الذاكرة الجمعية لليهود، وبلورته في حركات فكرية كبيرة.
بالنسبة لليهود الذين تم استقبالهم في المغرب، فإن عددهم غير محدد بصفة دقيقة، وهناك تضارب بين المؤلفات والحوليات التاريخية، لكن المؤكد هو قضية تسامح السلطان محمد الشيخ الوطاسي معهم؛ بحيث فتح أمامهم أبواب جميع المدن المغربية.
الفصل الخامس: المجتمع اليهودي المغربي
شكلت معطيات التوزيع الجغرافي والمجالي والمعطيات الاقتصادية الخاصة بيهود المغرب والأندلس الموضوع الأساسي لهذا الفصل.
وأهم عناوينه، هي:
- الأهالي وأماكن استقرارهم:
- قدم في هذا المحور الكاتب، تقسيما لغويا لليهود المغاربة، وقد جاء كما يلي:
- الطوائف الناطقة بالعربية: تنتشر هذه المجموعة في مختلف مناطق المغرب.
- الطوائف الناطقة بالأمازيغية: استقروا في الغالب بالأطلس وسوس.
- الطوائف الناطقة بالإسبانية: اسقروا بالشمال المغربي.
- الهجرات الداخلية:
تطرق الكاتب في هذا المحور، إلى أشكال الهجرات التي قام بها اليهود داخل حدود المغرب. وقد تميزت هذه الهجرات بتعدد اتجاهاتها، رغم ندرة المواصلات. وكان من أسبابها: التهجير الإجباري بسبب الثورات، الجفاف والأوبئة والمجاعات، زيارة الأضرحة والمزارات، الهجرة لطلب العلم، أو لطلب تعلم حرفة، أو طلب فتوى في نازلة معينة. وعلى العموم فقد كانت الهجرات الداخلية لليهود في المغرب، مرتبط ارتباطا مباشرا بما هو ديني، سياسي، اجتماعي، اقتصادي، تجاري أو بيئي.
- الطائفة الأوروبية أو المهجرون، البلديون أو الأصليون وغيرهم:
في هذا المحور تطرق حاييم إلى الطائفتين العرقيتين اليهوديتين بالمغرب؛ وهما المهجرون والبلديون. هاتان المجموعتان طبع تاريخهما المشترك الاختلاف الثقافي والفكري والمعرفي والخلفية الاجتماعية الذي كانت تحملها كل منهما، وهو ما جعل العلاقة بينهما في أحيان كثيرة تكون مضطربة ومعقدة. ولقد عاشت الطائفتان معا في إطار قانون الذمي الذي يعطيهم استقلالية دينية، إدارية، قضائية.
- الحياة الاقتصادية:
أوضح الكاتب في هذا المحور على أن المجتمع اليهودي في المغرب، ينقسم على مستوى البنيات الاجتماعية المكونة له، إلى فئتين رئيستين، هما:
الطبقة البرجوازية:
يدخل فيها الشيوخ والأعوان الكبار والعائلات الغنية والموظفين السامين، أغلبهم ينتمون عرقيا إلى يهود الأندلس. وتحتكر هذه المجموعة رؤوس الأموال والأعمال التجارية الكبرى، ويمولون الحرف المحلية، ويجهزون الجيش الملكي. وتمثل هذه المجموعة حسب الزعفراني الأقلية.
الطبقة العاملة:
وهي المجموعة الغالبة، يدخل فيها الطبقة المتوسطة، الطبقة الفقيرة. وهي المسؤولة عن توفير شروط الحياة المادية للطائفة، وذلك عبر امتهانها للحرف اليدوية والصناعات المختلفة، والتجارات الصغيرة.
كما تطرق الكاتب إلى محور عنونه بالتجارة والصناعات الحرفية عند الطائفة، أكد فيه على أن الاستقلالية التي عاشها اليهود في ظل وضع الذمي في المغرب، وتوفر المواد الخام، ساهمت في ازدهار التجارات والصناعات الحرفية عند الطائفة. كتجارة الذهب، صناعة المعادن، عصر الزيت، تجارة الحبوب والنسيج.
الفصل السادس: المجتمع اليهودي والمتخيل الاجتماعي اليهودي المغربي:
شكل المتخيل الشعبي اليهودي المغربي موضوع هذا الفصل، ومن أهم المحاور التي تطرق إليها، نجد:
- الميلاد
تحدث في هذا الجانب الكاتب، عن العوائد التي تقوم بها الطائفة اليهودية المغربية أثناء الحمل (تقطيع القماط أو «لَكْدَاوْرْ»)، أو أثناء الوضع (كتابة تمائم «شميراه» الميسرة للوضع)، أوبعد الوضع (طقس التحديد لحماية المولود من الجنية ليليت).
- الختان أو المهيلة:
يقام في اليوم الثامن بعد الولادة، حيث يجلس جد الطفل فوق كرسي يدعى كرسي النبي إيليا، ويُجلس الطفل على ركبته، ثم يأتي «المُوهل» ويقطع جزء من القلفة.
- الزواج:
تطرق الكتاب إلى حفل طلب يد الفتاة «شيدُوخين» أو الخطوبة وكيف أن هذا الاختيار تحدده شروط الجماعة، ويحكم اجتماعيا. أما حفل الزفاف، فيمر حسب الكاتب من المراحل الآتية:
- سبت الاختيار أو سبت إِسْلان أو الْعْزَارَا:
في هذا اليوم يجتمع العروسان والشباب العزاب للاحتفال في بيت العروسة.
- خميس ازموميغ(2):
أهم طقس في هذا اليوم هو كسر بيضة فوق شعر العروس المسدل، ووضع الحناء فوق رأسها ثم شده بمنديل أبيض.
- يوم الاثنين أداء اليمين:
نهار شِيبُوعَا أي اليمين، أو نهار «القنيان» بمعنى التملك الشرعي. وهو يوم تحرير عقد النكاح. فبعد قبولهما لشروط العقد، يشد الزوجان معا منديلا يكون العدول سبق أن بسطه.
- ثلاثاء يوم الحمام أو الطَبِيلَة والحناء:
خلال هذا اليوم تغتسل العروسة بصهريج الطائفة بالملاح، ويحضر بشكل قوي السحر والجن؛ فعلى النساء المرافقات للعروسة حمايتها بتقديم قربان للجن الموجود بالصهريج.
- يوم الأربعاء يوم المباركات السبع:
تستوي خلال هذا اليوم، العروسة على كرسي الزوجية ذي الأصل الإسباني، وهي ترتدي «الكسوة الكبيرة». وتحرر الكتوبة(3) بوجود عشرة رجال بالغين على الأقل، ثم يقرأ جهارا وتتلى المباركات السبع ويدور العريس والعروسة سبع دورات في صحن البيت ثم تحمل العروسة إلى بيتها الجديد.
كما قدم الكتاب في هذا الجانب، نماذج متعددة لقصائد العرس اليهودية المغربية، التي تعكس ذلك التكييف الذي قام به يهود المغرب، بين شعر البيوطيم الديني والموسيقى الأندلسية، وأنتجوا بذلك موسيقى مطبوعة بالمحلي الشعبي والديني.
- الطلاق:
تطرق هذا المحور إلى أسباب الطلاق التي يقدمها الزوج، وهي:
1. الزنا.
2. الامتناع عن المعاشرة.
3. العيب أو العاهة أو العقم.
4. مخالفة الشرع والأدب.
5. رفض الزوجة مصاحبة زوجها في البحث عن رزقه.
6. إذا اعتنق الزوج أو الزوجة الإسلام أو مذهبا اخر.
- الموت:
قدم في هذا الجزء الكاتب، كل ما اطلع عليه من شعائر وطقوس تقام أثناء الاحتضار وبعد الموت، انطلاقا مما شاهده أو قرأه في كتب الأحبار المغاربة.
ويمكن أن نقسم هذه الشعائر التي تناولها الكتاب في هذا الصدد إلى ما يلي:
1. قبل خروج الروح:
تحضر جمعية إخوان الرحمة لمواساة المحتضر وعائلته، وتساعده أثناء نطقه للشهادة أو الشماع(4)، وفي هذه اللحظات يعترف المحتضر بذنوبه.
2. بعد خروج الروح:
يغلق الولد البكر عيني أبيه أو أمه، وفي هذه الاثناء ترتل بعض الابتهالات والمزامير بجانب الميت.
يمر الميت بعدها بطقس الغسل أو التطهير، ثم التكفين، ثم يحمل على النعش ويغطى بثوب أسود. بعدها يمزق أقاربه ثيابهم(5)، ثم يصرفون المياه الموجودة في المنزل.
ويعلن عن موكب الجنازة بالبوق أو «الشُوفِر»، وعلى كل من مر به هذا الموكب مصاحبته.
عند وصول النعش إلى مكان الدفن يقام طقس «هَاقَافُوت» لإبعاد الشياطين؛ وهو سبع دورات بالنعش.
وأثناء الدفن تخلط التربة ببعض من رمال الأرض المقدسة(القدس)، وهذا لاعتقادهم بأن له القوة على التكفير عن الذنوب.
3. طقوس الحداد:
يقدم في ليلة الوفاة عشاء المواساة، الذي يتكون من البيض النيء والزيتون الأسود، وتشعل شمعة في غرفة الميت سنة كاملة.
وتنقسم فترة الحداد إلى ثلاث مراحل، الأولى تسمى الحداد الأكبر «شفعاه»، ومدتها سبعة أيام، يمتنع فيها أهل المتوفى عن التجارة والأعمال اليدوية وعن الاغتسال أو الحلق، ويمشون حفاة وتغطى كافة المرايا في منزل الفقيد. وفي اليوم السابع تقام الذكرى السبعية للفقيد، عبر الإنشاد وقراءة نصوص معينة من التوراة، ترحما على روح الفقيد. وتمتد فترة الحداد الثانية ثلاثين يوما، والثالثة سبعة أو تسعة أو أحد عشر شهرا، عند انتهاء كل فترة تقام صلاة على روح الفقيد وتوزع الصدقات. وتحيي الطائفة اليهودية المغربية الذكرى السنوية للميت عبر الصوم وترتيل «القاديش» أو صلاة الميت.
وفي إطار حديثه عن ذكرى الموت، تطرق الكتاب إلى احتفال «الهيلولة» أو عيد الأموات، الذي يتم خلاله زيارة أضرحة الأولياء، لقراءة التوراة والصلاة، والغناء والرقص بطريقة صوفية، اعتقادا منهم بأن روح الولي ستزورهم في منتصف الليل لتحقق أمنياتهم.
الفصل السابع: الحياة الدينية والشعائر
خلال هذا الفصل الأخير من الكتاب، أبرز الزعفراني تلك العلاقة الموجودة بين الشريعة اليهودية، ومتطلبات الواقع المحلي المغربي وما يستدعيه من اجتهادات تشريعية.
فالإنسان اليهودي حسب تعريف الكتاب، هو الشخص الذي يعيش في ظل التوراة والتلمود، لكن من جهة أخرى هناك العرف أو العادة أو المنهاج، المتبع في البلد الذي يستقر فيه اليهود، والذي يفرض خصوصيته. وقد أعطى الكاتب أمثلة عن الاجتهادات التشريعية التي قام بها الأحبار ليواكبوا الواقع المحلي، كالسماح بتناول «الكسكس» في عيد الفصح، بالرغم من أن الشريعة تحتم إخلاء منازل اليهود في الغداة من كل طعام قابل للتخمر، وأكل الجراد في سنوات الجفاف رغم أن الشريعة تحرمه.
ومن المحاور المدرجة في هذا الفصل، نجد:
1. السبت:
قد تطرق الكتاب في هذا الصدد إلى عادات وتقاليد يوم السبت (غسل اليدين لإزالة نجاستهما والحصول على المباركة، إعداد خبزتين لكل وجبة، تناول ثلاث وجبات، إشعال المصابيح لإنارة المائدة...)، ورؤية اليهود المغاربة الصوفية اتجاه يوم السبت في حد ذاته واتجاه شعائره.
2. ميمونة:
خلال هذا اليوم يختتم اليهود المغاربة أفراح عيد الفصح ويحتفلون بالعودة إلى تناول الخبز المخمر. ومن خلال هذا المحور أزال الكاتب الالتباسات الموجودة حول مصطلح ميمونة، واعتبرأن إرجاع هذا الاسم إلى كلمة «إمُونَه» العبرية التي تعني الاعتقاد، أو إرجاعه إلى موسى ابن ميمون الذي أقام فترة بالمغرب، أمر خاطئ. فالأصل والأصح في تحديد معنى هذه الكلمة هو بإرجاعها إلى المعنى الشعبي والعامي، حيث تشير كلمة «ميمونة» بالدارجة المغربية إلى سيدة الحظ، وهي ولية في المتخيل الشعبي تقابل ملك الجن «ميمون»، تنشر السعادة والخير والنجاح.
كما وصف الزعفراني بعض الممارسات الشعبية التي تصاحب هذا اليوم، كترك الأبواب مفتوحة لدخول البركة، تبادل التهاني بعبارة «تَرْبْحُو وْتْسْعْدُو»، وتحضير الحلوى المحلية خاصة «شْبَاكِيَة» و«السْفْنْجْ» وتحضير سمك مزين بأوراق خضراء وخمس حبات من الفول وخمس بيضات وخمس قطع ذهبية، وكذلك «المَفْلُوتَة» أو «التْرِّيدْ».
خاتمة: طائفة ممزقة
أنهى الزعفراني، عمله هذا بخاتمة مطولة عبر فيها عن رأيه في العديد من القضايا، خاصة تهجير يهود المغرب إلى فلسطين، والأسباب التي أدت إلى ذلك والتي على رأسها الاضطهاد الفرنسي مع حكومة فيشي، الاستعمار وظهور الحركة الوطنية. كما أكد من خلالها على التعايش الكبير الذي كان بين الطائفة اليهودية والمسلمة على أرض المغرب، والاندماج الكبير الذي وقع بينهما حتى أصبح التراث الشعبي اليهودي جزأ لا يتجزأ من التراث المغربي. وتطرق أيضا إلى الدور الذي لعبه السلطان محمد بن يوسف، في حماية حقوق هذه الطائفة الدينية والاجتماعية.
ضم الكتاب في الأخير ملحقين، فهرس للأعلام، ببليوغرافيا ومجموعة متنوعة من الصور ليهود مغاربة، ولمعالم تخصهم سواء ملاحات أو بيع أو منازل، وكذا صور لعقود زواج. ثم اختتم بفهرس لمواضيع الكتاب.
الهوامش
1. سحر إسلامي بمعنى تستخدمه الطائفة المسلمة.
2. أزْمُومِيغْ هي لفظة أمازيغية معناها الربط.
3.
4. الشماع: أية التوحيد عند اليهود، وهي: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد".
5. تمزيق الثوب: بعد وضع الجثمان في التابوت، يمزق أقارب المتوفى ثيابهم، ويتلون صلاة خاصة تسمى صلاة التمزيق. وأصل هذه العادة مقتبس من سفر التكوين 37/34، حيث مزق يعقوب ثيابه بعد أن رأى قميص ابنه الملطخ بالدم. وكذلك من سفر صموئيل الثاني 1/ 11 حيث مزق داوود ثيابه بعد وفاة الملك شاول.
الصور:
1. https://pbs.twimg.com/media/CrHmwRFWEAA-aSq.jpg
2. https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2020/12/2020-12-11t204050z_1756502205_rc28lk9mktw5_rtrmadp_3_israel-usa-morocco.jpg