فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

المواويل في بلاد الشام والعراق في الأدب الشعبي

العدد 13 - أدب شعبي
المواويل في بلاد الشام والعراق في الأدب الشعبي
كاتب من سوريا

لقد ساهمت الفنون الشعبية ولا سيّما الفنون الغنائية  بتطوير الذوق الحسي والفني والجمالي, وحفزت الإنسان دائما على العمل والعطاء والإبداع وعلى مر القرون قدمت هذه الفنون للناس بمختلف لغاتهم زاداً لغوياً وثقافيا مُهماً, أعطت اللغات القومية خصوصيتها فضلا عن غرسها وتكريسها مفاهيم الانتماء  للأوطان, ودعوتها إلى الحب والخير والجمال.

ويرى الباحث بركو عبر ذكره لأهمية الأشعار الشعبية بقوله: ( إن ظهور هذه الكنوز الفريدة من الأشعار الشعبية ونشر هذه الألوان الشفوية الشعبية فتح الباب واسعاً نحو المزيد من التمازج اللفظي والفكري والتعبيري والفني بين الفنون الشعبية العربية، ومهد الطريق نحو دراسات فنية في الأدب الشعبي العربي، وطوَّر الأغنية العربية, لأن هذه الفنون ترسم العادات, والتقاليد, والأعراف,والخصال, والشمائل, وتقدم القيم الروحية والمادية في المكان والزمان1.)

 ومن أجواء هذه الفنون المستحدثة تطورت الفنون الفلكلورية الشعرية الشعبية التي سنرصد   بعضها, وأهم فنون المواويل  في الشعر الشعبي في بلاد الشام والعراق: العتابا, النايل, السويحلي, الميجنا, الزجل, والموال السبعاوي.

1 - فن العتابا :

ـ يعتبر فن «العتابا» من فنون الأدب الشعبي وكانت له صلة وثيقة بريفنا وربوعنا العربية, وقد عبـر عـن عاداتهـا وتقاليـدها الأصــيلة, وكمـــا أن له طابعاً من الروعة والجمال في الأسلوب وقوة العاطفة, وما ذلك إلا لأنه يعبر عن الشعور الصادق لأهل البيئة التي يعيش فيها الشاعر.

ـ وفن العتابا من أعرق وأهم الفنون الغنائية الشعبية في بلاد الشام والعراق وخاصة في الريف, ويعتمد هذا الفن ضرباً من ضروب البلاغة  وهو«البديع» وقد اعتمد فرعاً من فروع البديع أساسا له, وهو«الجناس» والجناس هو ركيزة فن العتابا من حيث الشكل , والجناس هو مجيء كلمتين متشابهتين في اللفظـ ومختلفتين في المعنى, أما في  فن العتابا يدهشك الشاعر ثلاث مرّات بدلاً من مرتين  في الشعر الفصيح ويرد بيت العتابا على البحر الوافر, ويتألف من أربعة أشطر, الثلاثة الأولى تحكمها لفظة واحدة فيها جناس في ثلاثة ألفاظ, أي من ثلاث كلمات لها نفس البناء الحرفي مع اختلاف معانيها, ويبقى الشطر الأخير حراً, وينتهي بألف أو باء, كما في بلاد الشام ككلمة  عتاب ـ تراب ...الخ .

أو ينتهي البيت بالألف المقصورة أو الممدودة مثل كلمة ( دجى ـ علاـ ....الخ ) بينما العتابا الأبوذية في العراق  ينتهي البيت فيها بياء مشددة مثل(أذية ـ علية ـ خطية ...) .

وقد كان فن العتابا (من إبداع البيئة الزراعية, لا البيئة الرعوية, على الرغم من انتشاره في بعض القبائل العربية, مثل اهتمام قبيلة الجبور بهذا الفن، وهي عشيرة, كانت تقطن شمال سوريا والعراق, وربما يرجع اهتمامها بالعتابا, لأنها تخلّت عن الارتحال من جهة, واحتكّت بما يحيط فيها حيث كانت الأبوذية2),

- وبيت العتابا يؤلف بحد ذاته وحدة أدبية متكاملة منتهية من حيث الحدث, وبيت العتابا يرسم صورة كاملة أو قصة أو خبرا, أو فكرة فلسفية, وكل هذا  مقيد ضمن مساحة محدودة, هي أربعة أشطر شعرية محكومة بجناس بديعي في نهاية الأشطر الثلاثة الأولى ويأتي الشطر الرابع والقفلة الأخيرة منتهية بياء أو ألف .

- وفن العتابا ارتبط بالصبغة الحزينة غالباًً, من حيث الأداء أو اللحن أو الكلمات, أو الأفكار, وكأن العتابا صدى للواقع العربي الحزين, منذ عصر الانحدار مرورا ًبالعهد العثماني وما رافقه من ظلم وجوع وحرمان وهذا يستدعي الحزن ومعاتبة الزمن ولوم الدهر

-وهذا الفن كانت ترافقه آلة«الربابة» ويعتمد الارتجال والصدق ويعبر عن حالات الحزن غالباً وأحيانا الفرح في المناسبات, وقد طرق كل أغراض الشعر الفصيح, واعتمد التناقل الشفهي عبر الزمن, كبقية فروع الشعر الشعبي

ولو رجعنا إلى الأوائل في هذا الفن, نجد من المشهورين فيه الشاعر عبد الله الفاضل الذي لمع نجمه في البيئة الرعوية, وهو من قبيلة الحسنة, لمع نجمه في القرن الثامن عشر, وهو أحد رؤساء عشيرة الحسنة التي سكنت بادية تدمر  ثم هاجرت إلى سهول حمص وحماة ,بعد أن أصيب أميرها عبد الله بداء الجدري, ومن أبياته المشهورة :

 

هلي ما لبسوا خادم سملهم                   وبقلوب العدا بايت سم لهم

الناس النجم  وأهلي ســـــما لهم                   كواكب  سهّرن ليل الدجى

 

- والعتابا تُغنى بألحان مختلفة حسب المناطق فكل منطقة تغني العتابا بلحن، ففي البادية تأخذ المد الطويل، وكم كانت ألحان هذا الفن وكلماته مؤثرة وهي تعبّر عن الشوق والغربة

-  أمّا البعد الشعبي لهذه التسمية، وما جاء في  الذهنية الشعبية فنذكر قصة طريفة يقدمها الباحث نسيب الاختيار في كتابه:

«الفلكلور عند العرب»  يقول الكاتب : ( نــشــأ هذا اللون من الغناء الشعبي في أحضان حكاية, وحكاية تحدث مثيلاتها كل يوم في أي مجتمع, نظير المجتمع الذي نسب إليه, فقبل عدة قرون كان يقيم في إحدى القرى فلاح, يكـــسب قوته بعرق جبينه, كان يحرث الأرض ويزرعها, ولكنه ما كان يملك منها شيئاً, وبالرغم من شظف العيش وبالرغم من المأساة, كان يملك شيئاً واحداًًًًًً, يجد فيه كلما آوى إلى البيت عزاءه الوحيد في هذه الحياة, وكان هذا الشيء «عتابا» زوجته الفتية الجميلة, ويبدو أن القدر الذي كان يلاحق أمثاله من المعذبين في الأرض, الذين يحنون رؤوسهم للأذى دون أن يثوروا عليه, هذا القدر أبى إلا أن ينتزع منه «عتابا» فقد لاقت الزوجة الجميلة الفتية هوى من مالك القرية فانتزعها منه, فغادرت كوخها إلى قصر الملاك الكبير, ولما عاد الزوج لم يجد في البيت «عتابا» لم يجد ذلك السراج الذي يضيء حياته, ولا اليد التي تمسح أتعابه, سأل الجوار, فأخبروه, لقد ذهبت  إلى قصر مالك القرية, ودار الزوج في الكوخ المقفر يطالعه بنظرة محتضر, يحاول أن يجمع في نظرة واحدة كل الأيام الخوالي, فبداله أن كل شيء قد انتهى حتى حياته, هنا, ترك مكانه وترك القرية وانتهى به المطاف إلى جبال عكّار في لبنان, وفي  غمرة هذا الألم الجارف أنشد هذه الأغنية الشعبية:

ـ عتـابـا بين برمـــي وبين لـــفتي

                         عتابا ليش لغيري ولفتي

ـ أنا ما روح للقاضي ولا أفتي

                              عتـابـا بالثـــلاث مطلقــــــــا

 

وظل الزوج يردد هذا اللون من الغناء الشعبي الذي عرف فيما بعد باسم العتابا  ودرج هذا اللون على ألسنة الناس, وأدخلوا عليه مقدمة عرفت باسم» الميجنا )3

وهناك أنواع للعتابا,  وقد درج  بعض الأدباء الشعبيين على تسمية العتابا حسب الجهة الواردة منها, وتوزيعها كما يلي:(  العتابا الشرقية, العتابا العراقية: العتابا الجبورية, العتابا العقيلية:ـ العتابا القبلية, العتابا الغربية, العتابا السلمونية , وكل تلك الأنواع كان لها الأثر الكبير في الطبقات الشعبية, حيث أن فن العتابا نُطرب به, ويدخل قلوبنا حين نسمعه من فنان يصدح به, وخاصة إذا كانت الألفاظ سهلة, والصياغة مدهشة, والصور رائعة..

 

2 - فن النايـل  :

ـ فن النايل هو فن شعبي  رائع الأداء، حزين اللحن, وكما ورد في مقدمة ديوان « النواهي والعتابا « بقلم إبراهيم فاضل قوله عن هذا الفن: « يلـحق الشاعر بيت العتابا  ببـيت أرشــق وزناًً وأســهل نظماً يســمى«المطوّح» ويجري بيت المطوّح على منهوك البحر البسيط، وعروضه (مستفعلن فاعلن) في الشطر الأول, و(مستفعلن فاعلن) في الشطر الثاني، ويصاب حشوه بالزحافات, وضربه وعجزه بالعلل, ويكون المطوح ملازماً لبيت العتابا بالمعنى تعقيباً ,أو توضيحاً أو تأكيداً

ويحتل هذا الفن مكانة رفيعة بين الفنون الشعبية الفراتية ويتميز أيضا بحزنه الشديد, (أما من الناحية الفنية فهذا الفن سهل النظم, ويكتب على مجزوء البسيط العروضي, وهذا مثال من البيئة الفراتية :

مناحر فجوج الخلا يـا ريــم ويـن تريد                         

هيمتنا ع الـــولف        بأول ليالـي العيـد)4

ويلقى هذا الفن الإعجاب في بلاد الشام والعراق, وأصبح هذا الفن نوعا من أنواع الفنون الشعبية التي يؤديها الشاعر الغنائي, أو المطرب الشعبي في أمسياته, وربما يزيد الشاعر الشعبي أكثر من أربعة أشطر, ويترك القافية متحدة كقول أحد شعراء الفرات:

 

يقولون : أين الوفا ؟

قلت: الـوفـا موجود

يقولون : ولفك  جفا

قلت : اليحـب  يعود

يقولون : ضوك طفا

قلت : القمـر موجود

يقولون : أين الصفا ؟

قلت : العيون السود

 

هذه الحوارية من صدى النفس عبر قرار وجواب, تخلق حالة من الابتكار الفني، وتحمل الدهشة, قرار اليأس في الشطر الأول، ويأتي الشطر الثاني ليحمل الحل والتفاؤل .

 

وربما يأتي النايل, وقد حمل النداء والتساؤل والأمر, وهذا يدل على الألم والمعاناة وطلب الشيء المفقود, وحول أنواع النايل و تسميته، يرى الأستاذ عبد الكريم الناعم أن للنايل أنواعا«منها المتداول المعروف، ومنها النايل اللقامي بقاف بدوية، ويرى أن تسميته ليس لها الامتداد المعجمي من الفعل نال كما أذكر في بعض مقالاتي، حيث ذكرت أن النايل من اسم الفاعل ( نائل ) من الفعل نال، ونائل قلبت الهمزة ياء» والنائل هو الآخذ بالقلوب, لأنه يتميز بحزنه الشديد الذي يأخذ القلوب, ولكن الأستاذ الناعم يرده للذهنية الشعبية، و يقدم قصة مؤثرة تعود إلى رجل اسمه نايل تقول القصة:

 

نايل يريد يعبــر     نايل يريد يموت

عجزت أطبا حلب     دزّو على بيروت

 

والمعنى كما أورد الناعم أن( / نايل / يريد أن يعبر ضفة الفرات إلى الجهة الأخرى، وهذا العبور مقرون بالموت، فينتقل في البيت الثاني إلى حالة لا علاقة لها بالأولى إلا من حيث تهديد الموت، فيخبر في البيت الثاني أن أطباء حلب قد عجزوا من المداواة، ويستنجد بالآخرين أن يحضروا الأطباء من بيروت عسى أن يشفى5.)

 

وتختلط التسميات حول هذا الفن بعضهم يقول عنه (عراقي)، وبعضهم يسميه(مولية)كما في فلسطين, وقد أورد الباحث عوض سعود عوض في كتابه (الفلكلور الفلسطيني ) مثالا كان يغنى من قبل بدو فلسطين :

 

يا رايحين ع حلب حبي معاكم راح

يا محملين العنب فوق العنب تفاح

كل من وليفه معه وأنا وليفي راح

 

هذا الفن هو لقطات تصويرية من واقع الحياة, لا يقدم الشاعر فيه قصيدة طويلة, وإنما يشرح موقفاً غزلياً أو إنسانياً بمساحة لا تزيد على الأغلب عن أربعة أشطر, وهناك بعض الجوازات في ذلك تصل إلى عشرة أشطر ويلتقي بذلك مع الزجل.

 

ففي ديوان «النواهي» قدّم الشاعر بيتاً من هذا الفن, وهو  مميّز في المعنى والإدهاش والصور والحبك والتكثيف يقول صاحبه6:

 

مروا النواهي مسا ومـعــدّلات  رد وف

ونجم الثريا ا نطفا والقمر صابه خسوف

 

 

والنواهي هن الحسناوات اللواتي بلغن نهاية المطاف في الجمال فنهينك عن غيرهن .

 

- ومما تقدم  وجدنا أن هذا الفن الشعبي  مازال محتفظاً بجوهره, وجمهوره عبر الزمن, وخاصة عندما يأتي هذا الفن, ويغنى قبل فن « اللالا» الشروقي, ويسلب الألباب من الناس. ويؤدّى باللحن السريع واللحن البطيء, وإذا قاله المغني باللحن السريع وجدنا ترادف الأشطر دون زيادات إيقاعية, وإذا قاله المغني باللحن البطيء (المطوّح) وجدنا الزيادات الإيقاعية بعد الشطر الأول مثل كلمات : « يا عمي, يا عيني, يا روحي».

 

ولقد طرق هذا الفن جميع أغراض الشعر, ولعلّ الغزل والوصف والرثاء من الأغراض التي تميز فيها هذا الفن, وكان المرآة العاكسة لقضايا الحياة الإنسانية, بأفراحها وأتراحها, شأنه شأن الفنون الشعرية الشعبية.

 

3 - فن السويحلي :

السويحلي: هو فن من لواحق فن العتابا, وقد عرفه الباحث عبد محمد بركوبقوله:

( هو من أعذب وأرق الأشعار الشعبية في الجزيرة الفراتية نظماً ولحناً وغناءً وأكثرها شجناً ينظمه العشاق الذين أضناهم  الحب, وعذابات  الوجد,فينبعث مثل مونولوج داخلي لمناجاة الحبيب أو النفس, وهو أشبه برسائل حب مكثفة رغم قلة كلماته, ويتألف بيت السويحلي من أربعة أشطر توضع قافية  البيت في المنتصف أي في الشطرين الأول والثالث, ومن الناحية العروضية لا يرد على بحور الشعر العربي ويقدم الباحث مثالاً:

 

-حــــــــبر من الدمــــــــــوع

مكــــــــتو بكم  يــــا زيـــــــن

-مـــــــــن بــــين الضــــلوع

نــــــار الفــــــراق    تـــــــزيد7

 

يتم أداء السويحلي من خلال إعادة الشطر الأول, وإضافة زيادة إيقاعية عادة بلفظة (أويلي) بين نطق الشطر الأول وبين إعادته، ثم تعاد الزيادة بعد الشطر الثاني والرابع، ونجد بعض الشعراء يوحّد في القافية في العروض والضرب.

 

وهذا الفن كبقية الفنون الشعبية الشعرية,  يكتب بلغة الحياة اليومية وبلهجة السكّان, ولا تحكمه قواعد, ولا يضبطه صرف, وألفاظه تجمع بين الفصيح والشعبي القريب من الفصيح, وندرة الألفاظ الدخيلة، وقد بيّن الباحث عبد محمد بركو خصائص هذا الفن كما جاء  في كتابه :                                                            

 

(ويحمل هذا الفن نفس خصائص العتابا, والنايل من حيث التكثيف, والغنائية, والأصالة, والجماعية, والشعبية, والمشافهة, والارتجال, والحزن, والسوداوية, والشمول, والحيوية, والغزارة, والصدق, والعمق المعرفي, والوجودي, والواقعية, والرومانسية, والحساسية, والقدرةالفنية, ويتجسد الطباق, والتورية, والتشخيص, والمناجاة, وسواها « كضروب البلاغة, والمحسنات البديعية كالجناس» ويؤدى هذا الفن, ويرتبط بآلة الربابة في الماضي, ولهذه الآلة دور أساسي في غناء هذا الفن وغيره من فنون العتابا والنايل, وتساهم في تقديم هذه الفنون إلى الناس بشكل فني جميل على أنغام  قوسها الشعبي8 )

 

ويتميّز هذا الفنّ العريق بشحنة انفعاليّة وجدانية عميقة, تجعله شديد الأثر في نفوس مستمعيه, وأجده صادقا ً يجاري الكثير من الأشعار الشعبيّة في العالم كأشعار الهايكو  اليابانية   والترابادور الفرنسي .

 

أمّا الباحث عبد الكريم بعّاج يرى أنّ هذا الفنّ (يُغنّى في دير الزور في كافة المناسبات والأعياد ، وهناك اختلاف بسيط في الأداء بين المدينة والريف ، وهذا اللون محبّب إلى الناس، لأنّه يدخل القلب دون استئذان9 )                  

 

أما تسميته بالسويحلي ربما يعود إلى أماكن تواجده في شرق المتوسط, وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط, وعرف مكان سماعه في بلاد الشام والعراق, وضفاف الفرات .., وقد رأى الباحث سعدو الديب في أصل التسمية( أنّ رحلة الذهاب سهلة بالنسبة للعاملين على السفن،لأنّها باتجاه  تيار ما، لا تحتاج منهم الجهد الكبير إلا التجديف فقط، كانوا يحملون على سفنهم البضائع، وهي من المواد الغذائية في أغلب الأحيان،ولكنّ رحلة العودة ,كانت تتطلّب الجهد الكبير، كانت رحلة العودة رحلة التعب المضني، حيث يجرّون السفن بالحبال بعكس تيّار الماء، وكلما هدّهم التعب اتّجهوا إلى ساحل ما ، يجرّون السفن بالحبال أي يسحلون السفن سحلا ً، ومن هنا سمي هذا اللون من الغناء بالسويحلي10).

 

وقد أشار الأستاذ حمود الزعيتر إلى ( أن هذا اللون من الشعر الغنائي يقترب من النايل في المعاني, والموضوعات، ولكنهما يفترقان في موضعين, فقافية النايل في آخر الشطر, بينما قافية السويحلي في منتصفه, والسويحلي يغنى من النساء أكثر, لأنه أرق أداء, ويتسق مع الصوت الأنثوي أكثر, وغالبا ما تردده الفتيات أثناء. جني المحاصيل, وأغلبه من نظم أنثوي, وتدل عليه كلماته ومعانيه .

 

يا ثوب حزنــــــــي

أجرد وأزيدك نيل

أخوي    وابنــــــــي

ماهم بغلاة الزين

 

فطريقة الحزن أنثوية, وصباغة الثوب باللون الأسود عادة مألوفة كناية عن الحزن, وتظهر بين كلماته بعض الأدوات الأنثوية كالمرآة والمرود :

 

تسبح بالدموع                يا مرود عيوني

 

والمرود هو أداة المزينة الأنثوية لوضع الكحل على الرموش

 

- وفن النايل يرتبط بالرقة والعاطفة التي تسكن أمامها القلوب الصادقة الوفية, كما أن أغلب الأغاني المنتشرة في وادي الفرات مأخوذة من السويحلي, وهذا الفن يتميز بلحنه أكثر ما يتميز بكلمته, حيث أنه يمتاز بالامتداد الطويل للصوت حيث يبدأ بنبرة لا يتركها حتى تتلاشى11.                        

 

ويرتبط هذا الفن بالمرأة وهو أحد ألوان الغناء ويتفق لحنه مع جريان النهر وانطلاقة الصوت الحر ويستمر هذا اللون إلى يومنا هذا، وتعقد له الجلسات والمساجلات فيه، وتنتقل الربابة بين الجالسين الذين يقومون بالغناء وهذا ما كانت تجسّده فرقة الرقة للفنون الشعبيّة.

 

- ويبقى فن السويحلي لصيقاً بالمجموعة البشرية التي تتخذه سجلا شفويا لها, وهولذلك متنوّع تنوعا هائلا في سماته, يعبر عن الحالة الاجتماعية والنفسية لتلك المجموعات البشرية. والشعر الشعبي ينطوي تحت الفنون الشعبية المعنويّة التي تكون مجهولة المؤلف، وهي ملك للجماعة, والشعرالشعبي أوالمحكي وسيلة التعبير الأدبية والأكثر ألفة وقرباً من النفس في مختلف الأماكن والعصور.

 

4 - فن الميجنــــــا:

- هي من سوابق فن العتابا, وللميجنا « كسرة «هي عبارة عن شطر , يوزع توزيعاً خاصاً, ويأتي عروض الميجنا على بحر الرجز وتفعيلاته :

 

مستفعلن مستفعلن مستفعلن                  مستفعلن مستفعلن مستفعلن

 

وكسرة الميجنا ربما يقدمها الجمهور للشاعر, أو يقدمها الشاعر الشعبي بنفسه, وتسمية الميجنا لها عدة وجوه, يردّها بعضهم إلى أنّها : آلة الدقّ الخشبية ، وبعضهم إلى آلة حلج القطن ، ومنهم من أتى بالجانب اللغوي, وقطّع الكلمة إلى ما يلي: يا من جنى ، ويرى الباحث سعدو الذيب أنه (لوعدنا إلى  النصوص الأساسية لهذا اللون من الغناء لوجدنا تفسيرا ً للتسمية:

 

ياميجنا ويا  ميجنـــــا  وياميجنـا

أهــلا وسهـــلا شـرفــونا حبابنا

أو ضحكت حجار الدار طلوا حبابنا

 

نرى أنّ أصل الميجنا هو من جملة (يا من جاءنا) ثمّ أصبحت مع الزمن يا ميجنا12)

 

والميجنا ربما تأتي ضمن سياق التقديم الهادىء عند الشاعر , عندما يقدم الشاعر بيتاً من الميجنا فيه أربعة أشطر، والشطر الرابع ينتهي بنون وألف كمثل هذه الأشطر :

 

- جنّوا العدا وما فرّقوا بيناتنا

- زهر البنفسج يا ربيع بلادنا / وغير ذلك،

 

وهي أشطر كثيرة لا تحصى، وهي بمثابة المسن لصوت الشاعر أو المغنّي.

 

ربما تكون منفردة كشطر واحد, أو تأتي الميجنا ضمن بيت من أربعة  شطور وقد يحمل  البيت من الميجنا الغزل في مطلعه, وينتقل إلى النصيحة في آخره.

 

وهناك من  قدم المدح لأهل الفرح وهو يرصد قصة طريفة في عالم الشعر الشعبي, ويرصد الشاعر أيضاً جانباً اجتماعياً, ولا ينسى الشاعر أن يقدم بيتاً من الغزل الحسي وقد أطلق مبالغة فنية, وللغزل العفيف مكان في أبيات الميجنا عنده، فهو قد عتب على الحبيبة الرحيل والهجرة.

 

هكذا وجدنا أن الميجنا التي تسبق بيت العتابا, تكون بمثابة التمهيد أو المقدمة بالنسبة للمقال أو الموضوع, وخاصة وأن بيت الميجنا يصاغ على بحر الرجز بشكل عام، وهذا التمهيد يخلق شعورالرضى عند الشاعر, وعند الجمهور عبر تماوج كلمات البيت ووزنه ونبراته البطيئة.

 

– وربما تأتي  الميجنا كأغنية مرتبطة بظريف الطول ومازالت هذه الأغنية تغنّى في الأفراح والأعراس، ولها اللحن السريع واللحن الثقيل، وتؤدى في حلقات الدبكة والرقص، وتغنّى على الآلات الشعبية المعروفة كالطبل والمجوز,  وتتغيّر الكلمات من مكان إلى آخر، و منها :

 

  ميجنا وع الميجنا وع الميجنا

           يا ظريف الطول حوّل يمّنا

  ميجنا وع الميجنا وع الميجنا

           يا قمر حولك نجوم البسما

 

5 -   فن الزجل:

أ -  تسميته ونشأته:

- كل فن شعبي ينطلق من القيم الاجتماعية التي يخاطبها الشاعر الشعبي، لأن علاقة الشاعر بفنه علاقة حميمة، والفن جزء من أحاسيسه ومشاعره، وموضوعنا الزجل  هو فن يتردد على شفاه الناس, ونسمعه عبر وسائط الإعلام وأصل الزجل في اللغة يعني : الجلبة والتطريب ورفع الصوت، يقال سحاب زجل إذا كان فيه رعد ، ويقال لصوت الأحجار والحديد زجل. وقد قال صفي الدين الحلي عن فن الزجل:

 

( سمّي فن الزجل بهذا الاسم لأنه لا يلتذّ  به, وتفهم مقاطع أوزانه, ولزوم قوافيه, حتى يغنى به, ويصوت, فيزول اللبس بذلك, وبداية رحلة هذا الفن كانت مع ابن قزمان  ت(555) هــ وهو إمام الزجل في الأندلس, ولكنه ليس أول من اخترعه, لأنه يذكر زجالاً نظم قبله فيه, وهو أخطل بن نماره, ويذكر من كان يتحداه ويحاوره, وهو مخلف بن راشد،  وبعضهم ينسبه إلى ابن عزلة أو إلى مدغليس, ولكن بشكل عام تتفق الآراء على أنه تحوّل من الموشح , عندما غلّب الشعراء العامية على الفصحى في أجزاء الموشحات , وأطلقوا على الموشحات التي قيلت باللهجة العامية اسماً وهو الزجل. عندما انتقل فن الزجل إلى المشرق, اهتم به المتصوفان ابن الفارض في مصر , وابن عربي في الشام , ومنذ نشأة هذا الفن اعتمد على الغناء والحركة والمعرفة بأهواء المستمعين, ليؤثر فيهم, وينال إعجابهم في حفلات الأعراس وغيرها, وفي مجالس العامة والخاصة , لذلك استحسن أن يكون الزجال خفيف الروح, يلون صوته فيه, ويتحرك بما يتلاءم مع الكلام الذي يقوله في زجله13).

 

ــ وحافظ بعض شعراء الزجل على الأوزان التقليدية كما في الموشحات, ولكن كثيرا ما خرج شعراء الزجل عن الأوزان الشعرية ,ولم يقيدهم وزن إلا الوزن الغنائي الموسيقي . 

 

ــ ويذكر صفي الدين الحلي في كتابه(العاطل والحالي): (أن قوا لي الزجل قسموه إلى أربعة أقسام بحسب المضمون: ما تضمن الغزل والنسيب, سمّوه زجلا،وما تضمن الهجاء سموه قرقياً، وما تضمن المواعظ والحكم سموه مكفراً)

 

( والزجل الذي تضمن الهزل والخلاعة سموه بليقاً, وإذا كان إبراهيم المعمار أشهر الزجالين في مصر خلال العهد المملوكي التركي, فكان في الشام شهاب الأقساطي وعلاء الدين بن مقاتل الحموي, وترجم المحبّي في كتابه «خلاصة الأثر» إلى الشاعر الحريري رجب بن مجازي الحمصي, ونجد ابن خلدون يلخّص انطلاق الزجل من الأندلس إلى المشرق بقوله:

 

«لما شاع التوشيح في أهل الأندلس, وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه، وتصريع أجزائه,نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله, ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابا, فاستحدثوا فنا سموه بالزجل, ونجد الشعراء  يتبعون النغم, ولا يتقيدون بالوزن كقول أحدهم :

 

التبصر في الأمور مكاســـــــب       وشـواهد الحال بتحســـينه أدلـه

 والنصيحة بثها في الخلق واجب      والرجوع للحب دين في كل مله14)                        

                                                                      

ب– أنواعه

إن الشعر العامي  يسمى «المعنّى» و أن هذه التسمية جاءت من اسم قائله, لأنه شكوى العاشق الحزين الذي يسمونه «المعنّى» فيكون معناه لسان المعنى, وهو قول لا يبعد عن الحقيقة, والمعنّى ينقسم إلى ثلاثة أقسام أولية . المطلع ـ القصيد ـ القرّادي

1 - المطلع :

- يلتزم الشاعر في المطلع الروي الواحد في كل من الأشطر الثلاثة الأولى, والرابع قافية, تردد في كل مقطع حتى آخر القصيدة, والمقطع كناية عن أربعة أشطر ماعدا المقطع الأول, فإن للشطرين الأولين والشطر الرابع روياً واحداً, وهو الروي المردد بعد في كل مقطع, والشطر الثالث بدون روي15

- ويقول الشاعر شاكر سليمان وهو من عيون الوادي (سورية)- من مواليد عام 1899م, وهو شاعر قد هاجر عام 1913م, وأصدر مجلة (السلوى) الشعبية عام 1945م, وجمع الشعراء المهاجرين من خلالها, وعاد إلى الوطن عام1964م, وفي حقيبته أكثر من خمسة آلاف بيت من الزجل الشعبي, وفي ديوانه الثالث( الأغاريد) يقول :

 

- حلوي الضيعه الفيها عين

             كيف الضيعه الكلا  عيون

 

ويقول الشاعر شاكر أيضاً في الغزل من نموذج زجل المطلع:

 

-خبّي يا ريم  لحاظك  ما بدنا سلاح

           يكفي   برقة ألفاظك تسبي الأرواح

-الورد  بوجناتك  نامي   شق   الأكمام

           بيخلّي الصاحي غافي يبصّر أحلام

-والجوري سلاحو رامي منكّّس أعلام

            وبطّل  تفّاح  الشامي  يحمل   تفاح

 

ونجد أن  معظم الأغاني الشعبية تعتمد زجل المطلع .

 

2 -القصيد:

يُلتزم فيه عادة رويّ في الصدر, في الشطر الأول, ورويّ في العجز, في الشطر الثاني, ويسيران في القصيدة من أولها إلى آخرها بهذا الشكل, ما خلا البيت الأول يكون من قافية واحدة, كالقصيدة الفصيحة.

 

3 -القرّادي :

- ولعله مأخوذ من كلمة قرّاضي الممتدة إلى  كلمة القريض, وهو الشعر, فهو باب واسع جدا للتفنن, كما ذكر خليل سمعان الفغالي من فنونه اثنين وعشرين نوعاً. وذلك في فصل من ديوانه بعنوان ( الكنز الخفي ) أثناء محاورة بينه وبين ابنه أسعد ,فشرح له ابنه هذه الأنواع. منها المسجّع والمطبّق , والموشح والقلاب, والشلوقي, وكرج الحجل, والكناري, وغيرها, ومن الأمثلة على الشلوقي :

 

خود جواب, صحيح مسر

وجول وسباح, بطيبْ وفلْ

وجود بخطاب مليح وقر

وقول وشراح وغيب وهل

قصود الغاب وصيح وكر

وصول ورباح  وجيبالكـل16

 

وهذا فن صعب المنال إذ أنّ كل كلمة فيه قافية.

 

ج- أداء الزجل وعروضه وأوزانه:

وينقسم الزجالون من حيث الأداء  إلى ثلاثة أنواع :

1 - منهم من يقول الزجل, وله فرقة، حيث يؤدي زجله من خلال هذه الفرقة عبر مساجلات زجلية في الأمسيات, ومعه جوقة مثل فرقة بردى للزجل في ريف دمشق  وفرق الزجل الكثيرة في لبنان.

2 - ومنهم من يقدّم أزجاله بشكل إفرادي، وربما يطبعها كمجموعة.- هناك بعض الزجالين يقولون الزجل بدون غناء وآلات موسيقية في الأمسيات الشعرية على المنابر .

3 - ومنهم من يغنّي زجله في الحفلات العامة والخاصة، وترافقه الآلات الموسيقية.

 

ونجد في الشعر الشعبي الاعتماد على  الإيقاع الغنائي, وقد تحدث عنه الأديب توفيق يوسف عواد و ذكر( أنه في لغات العالم الراقية ثلاث أعاريض :

 

1ـ العروض المقطعية, ويكون تقسيمها بحسب المقاطع,مستعملة خصوصا في اللغة الفرنسية.

2ـ العروض النبرية, من نبرة, والنبرة: هي رفع الصوت وتشديده على مقاطع معينة من الكلمات, وفقا لأصول تختلف باختلاف اللغات, ويكون أساسها على محل النبرات, وهي مستعملة خصوصا في اللغة الإنكليزية.

3ـ العروض الوزنية: ويعتبر فيها طول المقاطع وقصرها. وهي مستعملة في اللغة العربية, وفي كل اللغات السامية .

 

وعروض الشعر الشعبي وزنية, أعني تابعة لتفاعيل معلومة, هي نفسها التي نراها في الشعر الفصيح, ولو رجعنا إلى المعنى نحلل أجزاءه لوجدنا فيه الأبحر التالية :

 

1ـ الرجز: ( مستفعلن  مستفعلن  مستفعلن)

2ـ السريع: (مستفعلن مستفعلن فعلن)

3ـ الوافر: ( مفاعلتن مفاعلتن فعول)

 

أما القرادي فلا سبيل إلى حصر بحوره, فهي كثيرة تتنوع بتنوع فنونه, ولكننا نكتفي الآن بالمعتاد منه وتفاعيله هي هذه: مفعولا تن مفعولن. 

 

(ولابد من الإشارة إلى أن هذه التفاعيل لا يجوز فيها شيء, كما الجوازات في بحور تفاعيل الشعر الفصيح, وللإنشاد في هذه التفاعيل تأثير كثير, أو قليل, وألحان الإنشاد في الشعر العامي  مأخوذ معظمها عن الترانيم الكنسية السريانية, فترى بعض الأحيان أن البحر لا يستقيم إذا نحن أردنا تطبيق تفاعيله على ألفاظه, ولكن المنشد هو الذي يتكلف تسويتها, فتستوي في إنشاده, والقافية في المعنّى موسيقية جدا, لا يجيز القوّال لنفسه فيها ما يجيز الشاعر في القصيدة الفصيحة, يستطيع الشاعر أن يستعمل (ظافرون ـ عالمين ) في قافية واحدة , ولكن القوّال لا يستطيع ذلك فإما ظافرون وعالمون, وإما ظافرين وعالمين ولا ينظم الشاعر الشعبي إلا في ساعات وحيه,  والوحي لا يأتي إلا في أوقات معينة   فتجول به أفكاره في شعب حياته وتهيج عاطفة ذاهبة في تعاريج شجونه, فينطلق معبراً عنها شاكياً, في لغته البسيطة ونغمته العذبة. والصدق هو المزية الأولى للشعر الشعبي، وإذا قلنا عن شعر إنه صادق , فقد اعترفنا له بالركن الأساسي الذي دونه لا يقوم شعر في أية أمة من الأمم . هو صدق نابض بالحياة , ومتشح بوشاح ناصع السذاجة17.)

 

ويبقى الزجل الفن الذي يجمع كل الفنون الشعبية تحت اسمه عند الناس,الفن الذي( يعبّر عن صور الحياة العامة في أنماط سلوكها ماضيا وحاضراً,همّاً وفرحاً لأنه يصاغ بلغتها،ويمثل روحها ,ويصوّر إحساسها  بقضاياها ,وهذا ما أغرى بعض الشعراء الكبار أن يتحولوا إلى النظم بالدارجة المحكية على نحو ما فعل أحمد شوقي والشاعر عمر أبو ريشة18)

 

- ويغلب على الزجل الغنائية, وقوامه القصيدة القصيرة, وقد تكون نشأته مرتبطة أصلاً بالغناء، ويستوحي الشاعر موضوعاته من الحياة الاجتماعية الشعبية، وقد يأخذ النصيب الكبير من الذاتية عند الشاعر أحيانا, وأحياناً تضيق الذاتية عندما يتجه الشاعر إلى السامعين, ويحاول الاستجابة لأذواقهم, واهتماما تهم, كما هو شأن الأغنية , إلا أن الشعر الغنائي تطور فيما بعد, وانفصل عن الغناء, وأصبح يعبر عن وجدان, وذاتية الشاعر, وقد تعايش النوعان القديم والحديث مدة طويلة .

 

6 - الموال السبعاوي:

أ- التسمية:

- الموال السبعاوي هو الموّال الأكثر شيوعاً، وعرف أكثر من الموّال الرباعي والأعرج والسداسي, والتساعي والعشاري. سمي بذلك لأنه مؤلف من سبعة أشطر, وسمي الموال السوري, لأنه انتشر في المدن السورية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين في حلب وحماه وحمص, وسمي الموال البغدادي لأنّه انتشر أيضا في بغداد وما حولها، ولعل سبب التسمية هو أن أهل بغداد أول من اشتهروا به, ويسمونه  في العراق بالزهيري, ويعللون هذه التسمية بأنه زهرة الكلام, أما في المدن السورية يسمّى الموّال البغدادي، وقد سار على ألسنة العامة, وهو فن كان للغناء لا للإلقاء، انطلق في بلاد الشام.

 

ب-اختراعه:

يقول بعضهم: إنه اخترع في العراق, وقد أشار صفي الدين الحلي في كتابه ( سفينة الملك ونفيسة الفلك ) إلى أن نسبة اختراع الموال إلى مولاة البرامكة, وأول من نظمه جارية من جواري جعفر البرمكي بعد نكبة البرامكة على يد هارون الرشيد عام187 للهجرة حيث قالت:

 

يا دار أين ملوك الأرض؟   أين الفرس؟        أين الذين حموها بالقنا والترس؟

قالت:

تراهم رمم تحت الأراضي الدرس     سكوت بعد الفصاحة ألسنتهم خرس19

 

- ويؤيد رواية الجارية الكاتب مأمون الجابري بقوله:( يعتمد تفضيلي وانحيازي على أنّ المبدع شخص واحد في البداية ، وهو جارية من جواري جعفر البرمكي ،وإن لم يذكر اسمها، وربما كانت عاشقة محبة، والحبّ يبدع,لذلك حين اعتصرها الحزن والأسى على مولاها بعد أن أطيح به,أبدعت الموّال ،وتغنّت به,هذا أولاً ، وثانياً ليس كل الجواري للخدر ,فقد يكون بعضهن مثقفات ذوات حسب وصوت ومعزف وعلم وأصل,والتاريخ يغص بأمثالهن,كسلاّمة  ودنانير وتودد وعُرَيْب،ومحبوبة جارية المتوكل,أما عريب فهي من جواري الرشيد على الأغلب , كانت ذات صوت وغناء وعلم في النحو، تستشار في تشكيل الكلام20.) 

 

ج- نظمه :

- إن فن الموال السبعاوي يتألف من ثلاثة أشطر على قافية واحدة, فيها جناس، تسمّى المطلع, ثم تأتي ثلاثة أشطر على قافية أخرى, فيها جناس واحد مختلفة عن الثلاثة الأولى،تسمّى العرجة, ثم يأتي الشطر السابع كقفلة للموّال عائداً إلى الجناس الأول, ويسمّى الطباقة,( ويذكر صفي الدين الحلي أن هذا النوع من (المواليات) يدعى  النعماني  أو الزهيري21)

 

ويعتمد الموّال السبعاوي, وهو سيد المواويل،  على المحسنات البديعية،وخاصة الجناس، ويزخر بالصور الشعرية،والطباقة تشبه الخرجة في الموشح, ونرى أن الموال السبعاوي, يناسب ويلائم العامية, ((وقد ذكر ذلك ابن خلدون بقوله:

 

(إن الذين يقولون المواليا لا يتقيدون بالإعراب وهذا الفن يهتم كثيراً بالجناس, وحلاوة التلاعب اللفظي وإيهام الترادف ..). ويذكر جمال الدين بن تغري في كتابه «النجوم الزاهرة» ( إن هذا الفن انتشر في الشام, وممن عرف به إبراهيم الحكيم الأنصاري المشهور بابن السويدي المولود في أول القرن السابع الهجري22)

 

د-  لفظه:

( أصله من كلمة المُوالي, تحذف ياؤه حين التنوين, لأنه منقوص, وترسم الشدّة على الاستعمال العامي, وقيل سمي بذلك من الموالاة بمعنى المتابعة, أو المناصرة, لأنه يتم المناصرة بين الجناس في الثلاثة الأولى, والثلاثة الثانية23)

 

- ولفظة الموّال يتحدث عنها العلامة خير الدين الأسدي في موسوعة حلب،فيقول( أطلقوه على ضرب من الغناء المرسل. وجمع الموال: مواويل وموالات ومواليات .ويفصّل في أصله :

 

1 - في التاج: الموال الذي ولعت به العامة, أصله من الياء أي مواليا.

2 - أصله المواليا, أي السادة، غنّاه العبيد ,ونادوا به مواليهم:سادتهم .

3 - أصله مؤوّل أي القافية الأخيرة منه تكون كقافية أول بيت .   

4 - أصله ممول, أي ممول بالتمهيد قبل المضيّ به بتقاسيم العود بالبشرف, والموشح, والقانون من مقام واحد فيتسلطن النغم في نفس المغني, ويمضي بمواله .

5 - إنه يمول صاحبه بهبات عشاق الطرب24.

 

هـ- خصائصه :

-  وهذا الفن بدأت شمسه تميل للغروب, وهو لون حميم من الأدب الشعبي, يترنح هذه الأيام, شأنه شأن الفنون الأخرى الأصيلة تحت وطأة النسيان, وهذا الفن عاش في مدن  بلاد الشام والعراق, وبقيت الأرياف تؤثر فن العتابا, وفن الموال السبعاوي دخل أصحابه في نسيج تاريخ المدن, لأنّ له طقوسه, ورواته, وقوانينه ومراتبه, ومنشديه.

 

- ويذكر الدكتور إحسان الهندي الباحث المختص في الموال السبعاوي( تعريف الناظم الشهير عزو الساكت حيث قال: ( الموال هو ومضة تسري كالبرق بفكر الناظم ويتم تكوين القافية للمطلع والطباقة بهذه الومضة ) وإحسان الهندي باحث من مدينة حماه ,له أبحاث في الموال السوري يقول في ذلك :إنّ أول مخطوط لقالب هذا الموال كتبه سليم الكيلاني وهو من حماه، وهناك شاعر آخر إسمه سعد الحايك, يعتبر بحق شيخ الموالين السوريين في حلب, وله موال يعود إلى 1835م مطلعه وشهد الموال عصراً ذهبياً, امتد حتى الخمسينيات من القرن الماضي وبعدها بدأ بالانحسار25 .. )

 

- أمّا مدينة حمص (اشتهرت حتى ستينات القرن الماضي بكثرة الذين يؤدّون الموال البغدادي، ويسبقه مد الصوت والترنم بالليالي، وتأدية الموال بحسب أصوله قد تستغرق مدة نصف ساعة..وحتى أواسط الثمانينات كان يُغنى في حمص, وبعدها لم نعد نسمع لوني القصيدة, والموال البغدادي.. ومن الذين غنوا الموال عبد الواحد الشاويش, ممدوح الشلبي, أديب الطيش،مصطفى وردة،ياسر السيد, عبد الوهاب الفصيح,سمير عماري،نجاح شيخ السوق،غازي شيخ السوق،أحمد الأنصاري.. وآخر شعراء هذا اللون هو المرحوم نظير بطيخ الذي توفي عام 1992م26).

 

ولو سألنا : لماذا كانت أغلب المواويل مجهولة الناظم؟‍‍‍‍! يبطل العجب عند ما نعرف أن الموال لا يخرج إلى الناس إلا إذا أذن به (المعلم ) ووافق عليه وراجعه .. (( وصاحب الموال في البداية يعرضه على من يهتم بهذا اللون , فيقدمون له بعض الاقتراحات من حذف أو إضافة ,وعندما يكتمل يذهب صاحب الموال إلى المعلم , وهو بدوره غالباً ما يكون صاحب مهنة , يجمع حوله في دكانه مجموعة من الخبراء ثلاثة أو أربعة, ويعرض عليهم الموال الجديد, وهذه مرحلة أدق, وأصعب في التدقيق, والتصحيح , ثم يأذن المعلم برواية الموال الذي أصبح محفوظاً من قبل كل من مر عليه أثناء هذه المراحل, وهنا يضيع اسم الناظم الأول ويبقى الموال,  ومن الطريف بالأمر أن آخر معلمي الموال في حلب الحاج هاشم القندرجي كان صانعا للأحذية, يعرف زبائنه أن الحذاء الذي يريدونه في الصيف يستلمونه في الشتاء , وحذاء الشتاء لا ينتهي إلا في الصيف, والسبب جلسات التدقيق وإجازة الموال27))

 

و- أداؤه:

 وعن فن أداء الموّال يذكر الكاتب أحمد رشدي صالح في كتابه(الأدب الشعبي وغناء الموّال) :(إما بمصاحبة الناي, والعود, والدربكة , وإما بصورة انفرادية , ويكون المنشد صاحب صوت قوي متقن للمقامات والانتقال بينها هذا في حلب, أما في حماة  فالشروط أخف وطأة , فالمغني يبدأ بإحدى الأغاني الخفيفة السائدة في وسط سوريا مثل

«اللالا الحموية أوالهوارة أو السكابا, أو الزلف», ثم يبدأ بنداء «يا ليل يا عين يا ليل» ومنهم من يبدأ بكلمة أمان,  ويكررها, وينتهي الموّال بكلمة«أوف», وهذا ما تميزت به حماة, وهذا الأمر لا تسمعه في حلب ,بل تسمع مقامات على أصولها مثل : البيات والنهاوند واللامي, وتبقى القضية نسبية في كل بلاد الشام والعراق .

 

- وهذا يعني أنّ الموّال كان في إطار الشعر, انتقل إلى إطار الغناء كبقية الفنون الشعرية الشعبية,وكما عبّر الجابري بأنّ( الموسيقى جاءت لاحقاً , لتتصل بالموّال ، إذ أنه كان نظماً وكلاماً شعرياً في البداية ،وهذا أمر طبيعي ,ولكنه قبل الغناء كان يلقى إلقاءً، وبعناية لفظية أنيقة تقارب الهزج من قبل المغرمين بالقول, والمتأثرين به من الشعراء الشعبيين, ومحبيه في مجالس المطارحة, وقد أدّ ى الهزج والتنغيم به إلى التغنّي بمدّ المقاطع, وقصرها ،ثمّ وضعت الموسيقى المرافقة التي كان لها الأثر الأكبر في صنعته، حيث عملت مع الغناء على إثرائه,و وتأكيد صورته, وتثبيتها بطريقة استهلالية خاصة, تمهد للدخول في جنس نغم الدور , ومن ثمّ  تحولت لتكون رفيقاً كشّافاً, ومعرفاً, وناشراً بين محبي الموّال على ألسنة المغنّين, وبمرافقة الآلة الموسيقية, وألحانها28)

 

- واليوم إن حلقات هذا الموّال أخذت بالتناقص وهذه الحلقات :( الناظم ـ المنشد ـ المعلم ـ السميعة ),ومستقبل هذا الموّال غير مطمئن , شأنه شأن كل الفنون في الأدب الشعبي, ولا نسمع عن عمل أو نشاط في مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة والإرشاد القومي سواء في التحقيق, أو التوثيق, أو الانتشار .

 

وقد رحل رائد الفلكلور عبد الحميد يونس, وهو يحذرنا من إسرائيل التي تهدد التراث العربي الأصيل, وتسعى لقرصنته, وسرقته, وقد قدم الراحل عبد الحميد مشروع إحداث مركز عربي للمأثورات الشعبية لندوة الجامعة العربية التي كانت تحت عنوان : ( الفلكلور في خدمة النضال العربي ) والمسألة إلى اليوم من عام 1977 لا تجد عملا ً منظما ً ولا حماسة لدى الهيئات المعنية بالتراث الشعبي الذي هو أصيل, وهو يمثل روح الشعب على مر الزمن29

 

- ويأتي السؤال يحمل الأسى :لماذا غاب هذا الموال ؟ ألا يمكن أن نطوّره ؟ ونعطيه صبغة من روح هذا العصر؟ ولماذا لم يجد الحماية والتطوير ولانتقاء ما هو جميل فيه؟؛ و(أعتقد أنّ إحياء هذا اللون , وتسليط الضوء على بنائيته،وخصوصيته, وجمالياته هو مهمة الإذاعة والتلفزيون أولا,كما هو مهمة الفرق والنوادي ثانيا..وإنّ العودة إلى الجذور دون أن تستهلكنا, ودون أن نستغرق فيها, تشكلّ إرثاً ضرورياً للتمسك بالأصيل الجميل، وحصناً يحمينا من موجات الغناء الهابط30 ..)

 

- وينبغي أن ندرك أن الفنون الشعبية هي السلاح المعنوي للشعوب، وهي التي توقظ الأمم, إذا أخذت وظيفتها بشكل جدّيّ ,وإذا نالت حقها من الرعاية والتوثيق والتطوير بما يناسب العصر.

 

الخاتمة:

 - ومن هنا فالإبداع الشعبي في المواويل الغنائية إلى جانب كونه حصيلة خبرات متوارثة «هو تعبير عن فلسفة الحياة اليومية، وتفاعل الإنسان الدائم مع ما يستجد من ظروف وأهداف سياسية واجتماعية وثقافية، وبهذا يعد الفلكلور بحق جوهر الثقافة الإنسانية31»

 

وهذه المواويل  كان لها الوقع المؤثر في نفوس الناس, وكانت حاضرة في أفراحهم ,وأتراحهم, وبكل صدق وعفوية, يطلّ الشاعر الشعبي, وأحيانا يرافقه الوتر الخالد ( الربابة ), وقد سامرت هذه المواويل الأجيال, وقطعت العصور, وأعطت كل الأجيال من أنغامها, وحمّلت كل جيل أفكارها, وستبقى خالدة خلود الحياة.

 

-و هكذا رأينا أن فنون المواويل الشعبية قد طرقت كل الأغراض الشعرية وكانت الأبيات لا تخلو من الرقة، والدهشة، والخيال، والألفاظ السهلة، منها ما جاء على الوزن الخفيف، ومنها ما جاء على الوزن الطويل، والغناء فيها يحمل روح المتعة، والفائدة بأسلوب بسيط عفوي صادق، وتجد في كل قرية أو بلدة لها طقوس، وأغان وفنون مشهورة ومُعتمدَة، تختلف عن بعضها بعضاً, وأحياناً تتشابه الأغاني في المنطقة الواحدة,  والبلاد العربية غنية بأنواع مختلفة من الغناء, والفنون, ولكل بيئة خصائصها من حيث الكلمة, واللحن, والأداء.

الهوامش

1 - بركو ,عبد محمد (2002) – أغاني العتابا و النايل و السويحلي- دار اليازجي دمشق ,ط1 –2002م.

2 - الناعم , عبد الكريم (1999) –تصويب في العتابا- جريدة العروبة الحمصية عدد5/12/1999م.

3 - الاختيار , نسيب(1979) –الفلكلور الغنائي عند العرب – وزارة الثقافة السلسلة الفنية رقم 7.

4 - بركو ,عبد محمد (2002) – أغاني العتابا و النايل و السويحلي- دار اليازجي دمشق ,ط1 –2002م.

5 -الناعم , عبد الكريم(2003)- اتقوا الله في الفلكلور- جريدة العروبة الحمصية عدد10/5/2003م.

6 - داود , سليمان(1993)- النواهي و العتابا – دار المعارف – حمص 1993م.

7 - جوهر , فاطمة(2003)-أغاني العتابا و النايل و السويحلي توثيق مهم للأدب الشعبي جريدة الثورة –21/ آذار 2003 0

8 - بركو ,عبد محمد (2002) – أغاني العتابا و النايل و السويحلي- دار اليازجي دمشق ,ط1 –2002م.

9 - برنامج(حكايا وأغاني ع البال)- إعداد- الباحث سعدو الديب- 2004م-وهو برنامجعرضه التلفزيون السوري على حلقات  يتحدّث عن الشعر الشعبي بشكل نظري وتطبيقي , ,وقد استضاف البرنامج الباحثين:عبد الكريم الناعم,عبد الكريم بعاج,محمود الذخيرة,محمد عبد بركو,محمود البكر،عبدالله برغل,حسن اسماعيل,أحمد المسالمة.

10 - برنامج(حكايا وأغاني ع البال)-

11 - زعيتر ,حمود(2001)- التراث الشعبي الفراتي-جريدة الثورة-5/9/2001 م

12 - برنامج(حكايا وأغاني ع البال)....

13 - الحمصي , نعيم(1982)-نحو فهم جديد لأدب الدول المتتابعة – منشورات جامعة تشرين –اللاذقية- 1982-ج1-ج2 ص345

14 - نفس المرجع ص348

15 - عواد , توفيق(1980)-فرسان الكلام- مكتبة لبنان –بيروت –ط2-1980

16 - نفس المرجع

17 - نفس المرجع

18 - الجابري,المأمون(2002)-المواويل الشعبية- مجلة التراث العربي السورية- العددان: 86-87-آب 2002

19 - الحمصي , نعيم(1982)-نحو فهم جديد لأدب الدول المتتابعة – منشورات جامعة تشرين –اللاذقية- 1982-ج1-ج2ص349

20 - الجابري,المأمون(2002)-المواويل الشعبية- مجلة التراث العربي السورية- العددان: 86-87-آب 2002

21 - الحمصي , نعيم(1982)-نحو فهم جديد لأدب الدول المتتابعة – منشورات جامعة تشرين –اللاذقية- 1982-ج1-ج2 ص353

22 - نفس المرجع ص353

23 - نفس المرجع ص354

24 - الجابري,المأمون(2002)-المواويل الشعبية- مجلة التراث العربي السورية- العددان: 86-87-آب 2002

25 - الجنابي, نوفل(1994) – الموال السوري – مجلة الكويت –عدد128-1994-الكويت.

26 -الناعم,عبد الكريم(2001)- الموّال السبعاوي وحمص-ملحق جريدةالثورة السورية الثقافي- العدد-282-30-9-2001-م.

27 - الجنابي, نوفل(1994) – الموال السوري – مجلة الكويت –عدد128-1994-الكويت.

28 - الجابري,المأمون(2002)-المواويل الشعبية- مجلة التراث العربي السورية- العددان: 86-87-آب 2002

29 - أبو هيف , عبد الله(1989) –التراث الشعبي- جريدة الثورة عدد 788/1989

30 -الناعم,عبد الكريم(2001)- الموّال السبعاوي وحمص-ملحق جريدةالثورة السورية الثقافي- العدد-282-30-9-2001-م.

31 - الرفاعي, حصة(1995) –التراث الشعبي الشفوي –مجلة (عالم الفكر) الكويتية مجلد 24- سنة1995م.

أعداد المجلة