ديوان التفتاف أو حكايات بغداديّات للأب أنستاس ماري الكرمليّ
العدد 5 - أدب شعبي
الحبُّ الخالص هو مُلهمُ الأعمال العظيمة، ومُنبِتُ الأخلاق الكريمة وفي طليعتها الإخلاص والوفاء. فالمحبُّ مخلصٌ لحبيبه، دائم الوفاء له، مستعدٌّ للتضحية من أجل بهائه وتألُّقه ورفعة شأنه. وفي هذه الصفحات القليلة سنتناول قصَّة حبٍّ تملَّك قلب رجلٍ بغداديٍّ وعقله. أُغرِم هذا العالِم الجليل بأُمّته العربيّة وثقافتها، في زمن طال رقادها، وتناهى هوانها، ونُسي تاريخها، وأُهينت لغتها، وانطمس ذكرها، وتدنّى شأنها بين الأُمم. فبذل الغالي والنفيس من أجل أن يؤجِّج في نفوس أبنائها الاعتزاز بانتمائهم إلى أُمّتهم العربيّة، والفخر بلغتهم، وتاريخهم، وتراثهم، وثقافتهم. فاستحقَّ بجدارة أن يكون أحد روّاد النهضة العربيّة وعلماً خفاقاً من أعلامها العظام. إنّه الأب أنستاس ماري الكرملي. وكأن شاعر فرنسا الكبير أراغون كان يفكر فيه وفي أمثاله، حين قال: “ لا ثقافة بغير حبّ. إنَّ الذي يحبُّني يخلقني”.
بَيدَ أنَّ جميع الباحثين الأفاضل، على كثرتهم2، الذين تناولوا سيرة الأب أنستاس ماري الكرملي ومؤلَّفاته بالدرس والتحليل، حسبوا أنَّ الرجل مجرّد لغويٍّ عشق اللغة العربيّة، وحرص على صحَّتها ودقّتها، وبالغ في تصحيح أخطاء الآخرين فهو “من روّاد التصحيح اللغويّ والداعين إلى الحفاظ على اللغة وأصولها، والابتعاد عن كلِّ ما ينأى بها عن الاستعمال الصحيح”، كما ذكر أحد الباحثين3. ويقول باحث آخر: “واظبَ الكرملي على نشر مقالاته وبحوثه خدمةً للغة العربيّة في أشهر المجلات مثل: المشرق والمقتطف والهلال والمباحث والمقتبس.”4 أو كما عبَّر عن ذلك بإيجاز العلامة الدكتور مصطفى جواد بقوله “الأب أنستاس رجل وهب نفسه للغة العربيّة، فكان باراً بها بِرَّ الولد الصالح بأمّه وأَبيه”5. ولم يرَ هؤلاء الباحثون الأفاضل أيَّة دوافع سياسيّة أو وطنيّة وراء أعماله. بل على العكس، أبرزوا ابتعاده عن السياسة والقضايا الوطنيّة. وفي هذا يقول أحد الباحثين: “ كان هناك شرطان وضعهما العلامة [الكرملي] أمام روّاد مجلسه [الأسبوعيّ]، وهما تحريم النقاشات السياسيّة والدينيّة”6.
بَيدَ أنَّ دراستنا العاشقة المتأنيّة المتأمّلة في حياة هذا الرجل وأعماله، تؤكِّد لنا أنّه كان يمارس ـ بشجاعةٍ وحكمةٍ لا حدود لهما ـ السياسةَ الوطنيّة العليا الرامية إلى تحقيق غايات نبيلة كبرى. فقد كان صاحب مشروع فكريّ ضخم يرمي إلى إرساء الأُسس الثقافيّة اللازمة لقيام حركة سياسيّة هدفها إيجاد كيان سياسيّ مستقّل لأمّة عربيّة موحّدة. وتتجسَّد الشروط الثقافيّة لتحقيق ذلك في تشكيلِ وعيٍ فاعلٍ لدى جميع العرب بوجود هويّة ثقافيّة عربيّة مشتركة، وجَعْلهم يعتزّون ويفخرون بها. وكان ذلك الهدف يتطلّب منه إحياء اللغة العربيّة، والبحث في تاريخ العرب، وتراثهم الشعبيّ المتمثِّل في عاداتهم، وتقاليدهم، ومعتقداتهم، وأساطيرهم، وخرافاتهم، ومصنوعاتهم اليدويّة، وحكاياتهم التي أبدعوها، ونقودهم التي سكّوها، وأزيائهم التي لبسوها، وكلِّ ما يشكّل عنصراً في عقليتهم، ومزاجهم، وخصوصيتهم وطريقة حياتهم، ويميّزهم عن غيرهم من الأُمم. ولهذا فإنَّ الأب الكرملي انخرطَ في ما يمكن تسميته بحركة القوميّة العربيّة التي تقوم على فكرة أنَّ العرب يربطهم تراث مشترك من اللغة والثقافة [والدين] والتاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة، وينبغي أن تكون لهم دولة موحَّدة مستقلّة.
بدأت القوميّة العربيّة أوَّل الأمر حركة ثقافيّة في الشام ومصر والعراق خلال القرن التاسع عشر الميلاديّ، حين كانت معظم البلاد العربيّة ترزح تحت الحُكم العثمانيّ. ولم تتحوَّل هذه الحركة الثقافيّة إلى حركة سياسيّة إلا في أواخر القرن المذكور وأوائل القرن العشرين. وما يسمَّى بالنهضة العربيّة هو من ثمار تلك الحركة الثقافيّة. ولهذا فإنَّ الأب الكرمليّ رائد بارز من روّاد النهضة العربيّة وعَلماً خفّاقاً من أعلامها. وسنبيّن ذلك بالتفصيل في الصفحات القادمة.
حياة الكرملي:
نلخِّص هنا بعض المحطات المضيئة في حياة الأب أنستاس ماري الكرملي:
1866 : ولد الكرملي في بغداد من أبٍ لبنانيِّ الأصل يُدعى جبرائيل يوسف عواد، وأمٍّ بغداديّةٍ اسمها مريم مرغريته، فسُمّي (بطرس). وهو الرابع بين إخوته التسعة (خمسة بنين وأربع بنات).
1882 : أكمل تعليمه الثانويّ في مدرسة الاتفاق الكاثوليكيّ في بغداد، وكان قد تلقَّى تعليمه الابتدائيّ في مدرسة الآباء الكرمليِّين في بغداد.
1882 ـ 1886 : عملَ معلِّماً للغة العربيّة في مدرسة الآباء الكرمليِّين، وعمره ستة عشر عاماً. وأخذ ينشر مقالاته في الدوريّات المعروفة مثل “ الجوائب” و “ البشير” و “ الضياء”؛ ويعطي دروساً بالعربيّة لبعض أفراد الجالية الفرنسيّة في بغداد.
1986 ـ 1887: التحق بكلِّيَّة الآباء اليسوعيّين في بيروت مدرِّساً للغة العربيّة. وفي الوقت نفسه دَرَسَ الأدب الفرنسيّ، واللغة اللاتينيّة، واللغة اليونانيّة.
1887: سافر إلى بلجيكا ودخل في سلك الرهبنة بدير شفرمون الواقع بالقرب من مدينة لييج. وكان اسمه قبل أن يصبح راهباً “ بطرس ميخائيل الماريني”.
1889 : سافر إلى فرنسا، ليدرس الفلسفة واللاهوت في مدينة مونبلييه.
1894 : أكمل دراسته في فرنسا، ورُسِّمَ قسيساً باسم الأب أنستاس ماري الكرمليّ، وهو الاسم الذي حمله طوال حياته بعد ذلك.
1894 : عاد إلى بغداد مارّاً بإسبانيا لزيارة الآثار العربيّة الإسلاميَّة في الأندلس.
1894: استقرَّ في بغداد وتولّى إدارة مدرسة الآباء الكرمليّين. حيث قام في الوقت نفسه بتدريس اللغتَين العربيّة والفرنسيّة. وبعد مدّة تفرّغَ للبحث والتأليف.
1911 : انتُخِب عضواً في مجمع الاستشراق الألمانيّ.
1914 : نفته الحكومة العثمانيّة من بغداد إلى مدينة قيصري في الأناضول “ بسبب خلافه معهم حول اللغة العربيّة، وإشادته بمحامدها”، كما قال أحد الباحثين7. ودام نفيه سنة وعشرة شهور، تعلّم خلالها اللغة الأرمنيّة، ثم أُعيد إلى بغداد سنة 1916.
1920 ـ انتُخِب عضواً في (المجمع العلميّ العربيّ) بدمشق، وكان المجمع قد أُسس قبيل أشهر في سنة 1919 من لدن الحكومة العربيّة التي تشكَّلت بقيادة الملك فيصل بن الحسين بعد دخوله دمشق على رأس الجيش العربيّ واستقلال سورية عن الدولة العثمانيّة.
1928: أدباء بغداد يقيمون له حفلاً تكريميّاً بمناسبة مرور 50 عاماً على بدء نشاطه الفكريّ، ورأسَ الحفل صديقه الشاعر جميل صدقي الزهاوي.
1932: انتُخِب عضواً في (مجمع اللغة العربيّة الملكيّ) بالقاهرة عند تأسيسه ( اسمه اليوم: مجمع اللغة العربيّة).
1945: اختير عضواً في لجنة التأليف والنشر في وزارة المعارف العراقيّة، وهي اللجنة التي تطوّرت إلى مجمع سُمِّي بـ (المجمع العلميّ العراقيّ) سنة 1947 بُعيد وفاته. ولهذا فهو يُعَدّ من مؤسِّسي المجمع، وإنْ لم يطُل به العمر ليكون عضواً عاملاً فيه.
1947: 7 كانون الثاني/يناير، وافاه الأجل ودُفِن في بغداد في الساحة عند باب كنيسة الدير المعروفة بكنيسة اللاتين، وكان في أيامه الأخيرة يطيل الجلوس في تلك البقعة من الساحة. وكُتِب على وجهِ رمسهِ ( قبرهِ ) بيتان هما:
لطمتْ صـدرََها عليكَ لـغـاتٌ
في بوادي الأعرابِ يومَ مماتِك
وعروسُ اللغاتِ قد شقَتِ الجيـ
ـبَ وقامـتْ تنوحُ فوقَ رفاتِك
والمقصود بـ “عروس اللغات” اللغة العربيّة؛ أمّا “ لغات في بوادي الأعراب” فهي اللغات العروبيّة (الساميّة) التي ألمَّ بها الكرملي وهي: السريانيّة، والعبريّة، والحبشيّة والمندائيّة (الصابئيّة). وكان يجيد التركيّة والإنكليزيّة، ويلمُّ بالإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة كذلك (هذا بالإضافة إلى اللغات التي ذكرناها، العربية والفرنسية واللاتينية واليونانية). وكتبَ القليل من مؤلَّفاته باللغة الفرنسيّة، وكتبَ أجزاء من أحد كتبه بالإنكليزيّة، كما أنَّه ترجم عدداً من الكُتُب من الإنكليزيّة إلى العربيّة.
وقبل أن ننتقل إلى صلب الموضوع، سنلقي الضوء على معنى لقبه (الكرمليّ)، فقد كنتُ في صغري أواجه صعوبةً في نُطقه وفهْم معناه.
(الكَرْمَل) هو اسم جبل، تقع على سفحه مدينة حيفا في فلسطين. وعلى هذا الجبل ديرٌ قديم فائق الجمال. وظهرت جماعة رهبانيّة نُسِبت إلى الكرمل وسمّيت بالرهبانيّة الكرمليّة. وكان ظهور هذه الجماعة نتيجةً للإصلاح الكاثوليكيّ الذي تمّ في القرن السادس عشر الميلاديّ، رداً على الإصلاح البروتستانتيّ. وهدف هذا الإصلاح إعادة الكنيسة إلى الحياة الروحيّة. فالرهبانيّة الكرمليّة جماعة روحيّة صوفيّة تؤكِّد على دعوة الإنسان إلى الصلاة والتأمُّل من أجل الاتّحاد مع الله. وقد شرح القديس يوحنا (ولد 1542م) في إسبانيا في كتابه “ الصعود إلى جبل الكرمل “ الذي يُعدُّ من مراجع الجماعة الكرمليّة ، كيفيه بلوغ النفس البشريّة الاتحاد الإلهيّ، بعد أن تتخلّى عن ذاتها وعن كلِّ شيء آخر وتبقى في التجرُّد الكامل وتحقِّق حريّةَ الروح8.
وهذه اللمحة الخاطفة عن فلسفة هذه الجماعة الروحيّة التي ينتمي إليها الأب الكرملي، تعطينا فكرة عن أخلاقه الكريمة التي تتسم بالزُّهد، والحرص على تهذيب النفس، والانكباب على تحصيل المعرفة. وهذا ما لمسه أحد كبار المتخصِّصين في الأب الكرملي، صديقه الأستاذ كوركيس عواد فقال: “ وأظهرُ ما عُرف به من الخصال الحميدة: طيبةُ القلب، ونقاءُ السريرة، والتواضعُ الجم، وسذاجةُ العيش...لقد كان راهباً كاملاً جمع بين فضيلتَي العِلم والتقوى.”9
عصر الأب الكرملي:
ولِد الأب الكرملي، وتلقّى تعليمه الابتدائيّ والثانويّ والعالي، وأجرى كثيراً من بحوثه، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد أمضى حوالي سبع سنوات في بلجيكا وفرنسا لمواصلة تعليمه العالي، كما ذكرنا، درس خلالها الفلسفة التي كانت تضمُّ، آنذاك، كثيراً من العلوم التي استقلت فيما بعد كعِلم الاجتماع، وعلم الإنسان، وفقه اللغة، وحتّى التاريخ الذي كان يعدّ جزءاً من الفلسفة، في وقت من الأوقات. وقد اطّلع الكرملي عن كثب على المدارس الفكريّة الأوربيّة الحديثة المعاصرة له في تلك العلوم.
ويسمِّي المؤرِّخون القرنََ التاسع عشر بـ (قرن القوميّات)، إذ شهد هذا القرن انهيار الإمبراطوريّات أو تضعضعها، وظهور الدول القوميّة، بحيث تضمُّ الدولة الواحدة أُمَّة واحدةً فقط تربط أبناءَها وشائجُ اللغة والدين والتاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة. فقد كانت الثورة الفرنسية (1789) فاتحةَ عصر القوميّات وإيذاناً بإنهاء عصر الإمبراطوريات. فالإمبراطوريّة الرومانيّة المقدَّسة التي كانت بمثابة اتّحاد بين بلدان أوربا الوسطى خلال القرون الوسطى وأوائل العصر الحديث، اضمحلَّت إبّان الحروب النابولونيّة، وتنازلَ أخر أباطرتها، فرانسيس الثاني، عن العرش سنة 1806. وكانت بلدان هذه الإمبراطوريّة، تستخدم لغة الإمبراطوريّة الرسميّة، اللاتينيّة، لغةَ الدبلوماسيّة العالميّة حتّى القرن الثامن عشر، ولغةَ التعليم في جامعاتها حتّى أواخر القرن التاسع عشر. ولكنَّ هذا القرن شهد ظهورَ دول قوميّة تستخدم لغاتها القوميّة. فقد استطاعت الحركات القوميّة والليبراليّة في عدد من البلدان الأوربيّة أن تحقِّق الوحدة والاستقلال. فتمكَّنت اليونان من تحقيق استقلالها عن الإمبراطوريّة العثمانيّة سنة 1822. كما استطاعت بلجيكا الانفصال عن هولندا (وكانتا تكوِّنان مملكة الأراضي المنخفضة) وإعلان استقلالها سنة 1830. واستطاع غاربالدي (1807ـ1882) من تحقيق وحدة الإمارات الإيطاليّة السبع (وكانت أربع منها خاضعة لنفوذ النمسا)، وأُعلِنت إيطاليا مملكةً مستقلَّةً سنة 1861. كما تمكَّنَ بسمارك (1815ـ1898) رئيس وزراء ولاية بروسيا الألمانيّة، من قيادة الولايات الألمانيّة المتحالفة التسع وثلاثين إلى الاتّحاد في دولة واحدة ملكيّة شبه دستوريّة سنة 1871.
وخلاصة القول إنَّ القرن التاسع عشر شهد نجاحَ الحركات القوميّة في تحقيق استقلال عدد من البلدان الأوربيّة ووحدة أراضيها على أساس قوميّ. ولكنَّ نجاح هذه الحركات القوميّة في تحقيق أهدافها استند إلى حركات ثقافيّة مهدّت لها.
الحركات الثقافية ذات الأهداف القوميّة:
إن الحركات الثقافية ذات الأهداف السياسيَّة القوميَّة الرامية إلى استقلال البلدان الأوربيَّة عن الإمبراطوريات التي كانت تابعة لها، على أساسٍ قوميٍّ، بدأت قبل القرن التاسع عشر بوقت طويل. وقد اعتمدت هذه الحركات الثقافية على وسائل لإثارة الوعي القومي في البلاد عن طريق بلورة هُويَّة قوميَّة خاصَّة بالبلاد. واستخدمت هذه الحركة وسائل ثقافيّة محدَّدة يمكن إيجازُ أهمِّها فيما يلي:
1ـ اللغة: أخذ المثقفون المنضوون في الحركة القوميّة بتشجيع استخدام اللغة القوميّة الخاصّة ببلادهم، والتخلّي عن استعمال لغة الإمبراطوريّة. فبينما كانت بلدان أوربا الوسطى تستخدم اللغة اللاتينيّة في العصور الوسطى ، نجد أنَّ اللغات القوميَّة الحديثة كالفرنسيّة والألمانيّة والإيطاليّة صارت تحلُّ تدريجيّاً محل اللغة اللاتينيّة خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. وراح المعجميّون يعدُّون معاجم أُحاديَّة اللغة ومعاجم تاريخيّة لهذه اللغات القوميّة. ولا نغفل الإشارة إلى دور الأكاديميّات الإيطاليّة والفرنسيّة والبرتغاليّة والإسبانيّة التي تأسست في القرنَين السادس عشر والسابع عشر، في تعزيز هذه اللغات وتنميتها.
2ـ التاريخ: أدى تصاعد الشعور القوميِّ في أوربا إلى الاهتمام بالتاريخ. فاستخدم المثقفون التاريخ بوصفه أداةً لتوعية المواطنين بتاريخهم القوميّ والاعتزاز بأبطالهم التاريخيّين، والفخر بأمجاد ماضي أمّتهم. فأخذوا يؤلِّفون كُتُباً مختصَّة بتاريخ الألمان أو الفرنسيّين أو الإيطاليّين دون غيرهم.
3ـ التراث الشعبيّ (الفولكلور): وهو مجموع الثقافة التعبيرية الخاصّة بشعب من الشعوب؛ ويشتمل على الموسيقى، والرقصات، والأساطير، والخرافات، وحكايات ربّات البيوت، والأمثال، والنكت، والأعياد، والتقاليد، وما إلى ذلك. ويعرِّفه بعضهم بالتواصل الفنيّ داخل المجموعات السكانيّة الصغيرة. وقد استُخدِم الفولكلور في القرن التاسع عشر بوصفه جزءاً من إيديولوجيّات القوميّات، إذ كان يرمي إلى إعادة تشكيل التقاليد الشفويّة لتحقيق أهدافٍ سياسيّة. ويتّفق الباحثون على أنَّ الفولكلور لم يتخلّص من أهدافه السياسيّة الظاهرة إلا في أواسط القرن العشرين10.
4ـ الأدب (خاصّة الرويات التاريخيّة): الرواية التاريخيّة هي رواية تُوضَع فيها الحكاية في إطار من الأحداث التاريخيّة، وتركِّز على أبطال تاريخيِّين أو على أشخاص خياليِِّين يتحرَّكون في ماضٍِ تاريخيٍّ كما يفهمه المؤلِّف ويتقبّله معاصروه. وتتطلّب كتابة الرواية التاريخيّة بحثاً معمّقاً في التاريخ. وقد اشتهر في كتابة الرواية التاريخية السير والتر سكوت (1771 ـ 1832)، خاصّة في رواياته: وفرلي (1814)، روب روي (1818)، إيفانهو (1820) التي جدّدت الاهتمام بتاريخ اسكتلندا خلال القرون الوسطى، وما زالت تؤجِّج الشعور القومي لدى الإسكتلنديّين. ويستطيع كاتب الرواية التاريخيّة أن يتفادى الرقابة على طرح الأفكار القوميّة11.
الأخوان غريم نموذجاً:
أحسب أنَّ الأب الكرملي كان مطَّلعاً بصورةٍ وافيةٍ على أعمال الأخوين الألمانيين: يعقوب غريم (1785ـ1863) وفيلهلم غريم (1786ـ1859)؛ وإن لم تكُن الألمانيّة من بين اللغات الأربع عشرة التي تعلّمها الأب الكرمليّ. فلا يوجد دارس لفقه اللغة في القرن التاسع عشر أو اللسانيّات الحديثة، لم يطّلع على قانون غريم الخاصّ بالتحوّل الصوتيّ في اللغة الألمانيّة. بل أزعم أنَّ الأب الكرملي اتّخذ الأخوين غريم مثالاً يحتذيه في العمل على إثارة الشعور القومي بهُوية الأمّة.
وسأقدِّم بإيجازٍ أهمَّ منجزات الأخوين غريم التي جعلت كاتب مادَّة “ الأخوين غريم” في موسوعة ويكيبيديا الشابكيّة (الإنترنتيّة) يقول عنهما: “ كانت رغبتهما في المساعدة على خلق هُويّة ألمانيّة متميزة هي بعض ما حفزهما في كتاباتهما وحياتهما.”12
ما الذي فعله الأَخوان غريم لإثارة الشعور بهُويّة ألمانية متميِّزة أساسها اللغة الألمانيَّة الفصيحة المشتركة لتوحيد الولايات الألمانيّة المختلفة في أُمّة واحدة؟ لقد استخدما الوسائل الثقافيّة التي ذكرناها قبل قليل: فقه اللغة، التراث الشعبي، التاريخ، على الرغم من أنّهما درسا القانون في جامعة ماربورغ. وهذه لمحات من عملهما:
ـ في الدراسات اللغوية، انكبَّ الأخوان، وهما في العشرينيّات من عمرهما، على دراسة اللغة الألمانيّة المشتركة، وما طرأ عليها من تغيّر وتحوّل وتطوّر، وتوصّلا إلى قانون غريم الصوتيّ الشهير.
ومن ناحية ثانية، شرعا سنة 1838 في إعداد معجم للغة الألمانيّة Deutsches Wôrterbuch، ولكنَّ هذا المعجم التاريخيّ مشروع ضخم لا يكفي أن يتولاه عالِمان فقط. ولهذا لم يقدرا أن ينجزا منه في حياتهما سوى المواد من الحرف A إلى جزء من حرف F. بَيدَ أنّ أهمّيّة هذا المشروع جعلتْ حشداً من اللغويِّين والعلماء الألمان يعملون بصورة متواصلة مدَّة مائة عام تقريباً لإنجاز “ معجم غريم للغة الألمانية” الذي صدر عام 1960 بـ 33 مجلداً تزن 84 كيلوغراماً.
ـ في التراث الشعبيِّ، بدأ الأخوان غريم حوالي سنة 1807 بجمع الحكايات الشعبيّة الألمانيّة، وبقيا طوال حياتهما يتنقلان من ولاية ألمانيّة إلى أخرى، لجمع الحكايات التي ترويها النساء الألمانيّات لأطفالهن حول المدافئ في البيوت والأكواخ. وأخذا ينشران هذه الحكايات الشعبيَّة والخرافيَّة في سلسلة عنوانها Kinder-und Hausmârchen. ففي سنة 1812، نشرا 86 حكاية؛ وفي سنة 1814، 70 حكاية؛ وفي سنة 1815، نشرا مجموع حكايات السلسلتين السابقتين، أي 156 حكاية. وفي كلِّ طبعة جديدة يزداد عدد الحكايات. وقد صدرت 6 طبعات من هذه الحكايات أثناء حياة المؤلفَين، وطبعات لا حصر لها منذ وفاتهما حتّى اليوم.
ـ في التاريخ، نشر الأخوان دراسات ومقالات كثيرة في الدوريّات المختلفة عن فترة العصور الوسطى. وقد منحتهما جامعة ماربورغ الدكتوراه الفخريّة سنة 1819 لأبحاثهما اللغويّة، والتاريخيّة، والتراثيّة.
إذن فالأخوان غريم عملا على نشر الوعي بهُويّة قوميّة ألمانيّة واحدة قوامها اللغة الألمانيَّة الفصيحة المشتركة. ومََن يشكُّ في الأهداف القوميّة السياسيّة للأخوين، فليعتبر مغزى قرار الحكومة الألمانيَّة الموحَّدة بعد سقوط جدار برلين وتوحيد الألمانيَّتَين الغربيّة والشرقيّة سنة 1990، بإصدار أغلى ورقة نقديّة ألمانيّة، ورقة الألف مارك، وهي تحمل صورة الأخوَين غريم. وظلّت هذه الورقة في التعامل حتى سنة 2002 عندما حلّ اليورو محل عملات البلدان الأوربيّة التي ضمّها الاتحاد الأوربيّ. (وأجدني أتساءل في نفسي: متى تتوحَّد الأقطار العربيّة وتُصدِر عملة موحدة تحمل إحدى أوراقها النقديّة صورةَ الأب الكرملي؟ ومتى يُكمِل العربُ معجمَ “المساعد” للأب الكرملي ليصبح للغة العربيّة معجم تاريخيّ؟)
أعمال الأب الكرمليّ من أجل وعي قوميّ:
إنَّ أفضل الوسائل لنشر الأفكار الاجتماعيّة أو السياسيّة هي التعليم والصحافة والتأليف والنشر واللقاءات المنظَّمة مع المُثقَّفين لتغذيتهم بتلك الأفكار. وقد استخدمها الأب الكرملي جميعاً في سبيل إثارة الوعي القوميّ؛ فقد كان يؤلَّف المجلَّدات، ويحقِّق وينشر كُتُب التراث، ويُصدِر الصُّحف والمجلات، ويستقبل المُثقَّفين في صالونه الأدبيِّ صباح كلِّ يوم جمعة. وفي هذا الجزء من المقال نحاول أن نقسَّم أعمال الكرملي على المجالات الثقافيّة التي اختار التأليف والنشر فيها، وهي: اللغة العربيّة، والتاريخ، والتراث الشعبي، وتحقيق كتب التراث العربي ونشرها؛ علماً بأنّ بعض الكُتب المؤلَّفة تدخل في أكثر من مجالٍ معرفيّ واحد؛ كما أنّ الكُتب التي حقَّقها الكرملي تنتمي إلى مجالات مختلفة مثل اللغة والتاريخ والأدب.
لا صعوبة في توزيع مؤلَّفاته على المجالات المعرفية التي حدَّدناها؛ ولكن الصعوبة الحقيقيّة التي تجابهنا هنا لا تكمن في تصنيف الـ 49 كتاباً التي ألَّفها الكرملي وخلَّفها مطبوعة أو مخطوطة، وتوزيعها على المجالات الخمسة المذكورة، وإنّما تكمن في استحالة الاطلاع على 1300 مقال نشرها الأب الكرملي في حوالي 62 دورية عراقيّة وعربيّة وأجنبيّة، ووقّع بعضها بأسماء مستعارة مثل (أمكح) و(بعيث الخضري البغدادي) و(فهر الجابري) و(كلدة) و(محقِّق) و(مُستفيد) و(مستهل) و(ساتسنا)13؛ وكذلك استحالة الاطلاع على آلاف الرسائل التي تبادلها مع عشرات من الشخصيّات الفكريّة العربيّة والأجنبيّة، والتي مازال معظمها مخطوطاً ومحفوظاً في مكان ما في بغداد، ودون الوصول إليها اليوم خرط القتاد14.
سنكتفي هنا بتوزيع أهمّ الكتب التي ألَّفها الكرملي على المجالات الفكريّة الخمسة المذكورة، ونشير إلى ما إذا الكتاب مطبوعاً أم مخطوطاً 15:
أوّلاً، اللغة العربيّة:
1ـ أغلاط اللغويّين الأقدمين، بغداد 1933
2ـ رسالة في الكتابة العربيّة المنقَّحة، بغداد 1935.
3ـ مناظرة لغويّة أدبيّة بين عبد الله البستاني، وعبد القادر المغربي، وأنستاس الكرملي، القاهرة 1355هـ
4ـ نشوء اللغة العربيّة ونموها واكتهالها، القاهرة 1938
5ـ المساعد، معجم خلَّفه مخطوطاً، صدر الجزء الأوَّل منه بتحقيق كوركيس عواد وعبد الحميد العلوجي، بغداد 1972.
6ـ أسرار الموازين والجموع، خلَّفه مخطوطاً
7ـ النغم الشجيّ في أغلاط الشيخ إبراهيم اليازجيّ، خلَّفه مخطوطاً.
ثانياً، التاريخ:
1ـ الفوز بالمُراد في تاريخ بغداد، بغداد 1911. نشره تحت اسم (ساتسنا)، مقلوب اسمه (أنستاس)
2ـ خلاصة تاريخ العراق منذ نشوئه إلى يومنا هذا، البصرة 1919
3ـ لذكرى الملك فيصل الأول، [خطاب]، بغداد 1933.
4ـ قصة التقويم [بالكلدانية]، خلّفه مخطوطاً، ثم نُشر في بغداد 1953.
5ـ أرض النهرين، تأليف دوين بيڤان، ترجمه من الإنكليزيّة بمساعدة الأب لويس مرتين الكرملي، خلّفه مخطوطاً، وتولى نشره حكمت توماشي، بغداد 1961.
6ـ العرب قبل الإسلام، خلّفه مخطوطاً.
7ـ اللمع التاريخيّة والعلميّة، خلّفه مخطوطاً
8ـ اليزيديّة، خلّفه مخطوطاً
9ـ الأنباء التاريخيّة( بالعربيّة والفرنسيّة) خلَّفه مخطوطاً.
ثالثاً، التراث الشعبيّ:
1ـ سورة الخيل التي نزلت في بغداد، وهي موعظة لمشتري خيل الشرط، أنشأها أحد الأعراب، نشرها في بغداد بلا تاريخ (1911؟)
2ـ النقود العربيّة وعلم النميّات، القاهرة 1939
3ـ الكوفيّة والعقال، القاهرة 1941.
4ـ مجموعة في الأغاني الشعبيّة العراقيّة، خلّفه مخطوطاً، حقَّقه الأستاذ عامر رشيد السامرائي، نُشِر في بغداد 1999.
5ـ ديوان التفتاف أو حكايات بغداديات، خلّفه مخطوطاً، ونُشر في بيروت 2003، بتحقيق الأستاذ عامر رشيد السامرائي.
6ـ أديان العرب وخرافاتهم، خلّفه مخطوطاً، وحقَّقه د. وليِد محمود خالص، ونُشِِر في بيروت 2005.
7ـ أمثال بغداد والموصل العاميّة والنصرانيّة مع حكايات عاميّة أيضاً، خلّفه مخطوطاً،
8ـ ديوان شعراء نجد من العوام العصريّين، خلّفه مخطوطاً
9ـ الشوارد اللغويّة في الأشعار البدويّة، خلَّفه مخطوطاً.
10ـ مزارات بغداد وتراجم بعض العلماء، خلّفه مخطوطاً
11ـ أغاني بغداديّة عاميّة، خلّفه مخطوطاً
وكان الأب الكرملي “يوجّه بعض الكتّاب أو يطلب منهم أن يكتبوا في مواضيع معينة، ومن تلك المواضيع البحث في العشائر، والأزياء الشعبية، والعادات، والشعر الشعبي، ...وفي كتاب [ الشيخ جلال الحنفي] “ المغنون البغداديون” عبارات صريحة بأن الكرملي وجهه إلى هذا البحث.”17
رابعاً، تحقيق التراث ونشره:
1ـ نُخبة من كتاب العروج في درج الكمال والخروج من درك الضلال، تأليف فهر بن جابر الطائي [نشر]، بيروت 1908
2ـ العين، معجم للخليل بن أحمد الفراهيدي، [تحقيق] (نشر 144 صفحة منه)، بغداد 1914.
3ـ الإكليل، للهمداني [تحقيق]، (الجزء الثامن)، بغداد 1931.
4ـ الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير، لابن الساعي البغدادي [نشر]، ج 9 بغداد 1934.
5ـ تذكرة الشعراء، أو شعراء بغداد وكتّابها في أيام وزارة المرحوم داود باشا والي بغداد، لعبد القادر الخطيبي الشهراباني، [تحقيق]، بغداد 1936
6ـ نُخب الذخائر في أحوال الجواهر، لابن الأكفاني السنجاري [تحقيق]، القاهرة 1939
7ـ مُعين المحقِّق ومَعين المدقِّق، خلَّفه مخطوطاً.
خامساً، الصحافة:
1911 ـ 1931: أصدر مجلّة “لغة العرب” الشهريّة، تُعنى باللغة والأدب والمصطلحات والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم الإنسان.
1917 ـ 1920 : أصدر “جريدة العرب” وهي يوميّة سياسيّة إخباريّة، استمرَّتْ في الصدور في بغداد قرابة أربع سنوات.
1918 ـ 1921: أصدر مجلّة “دار السلام”، وهي نصف شهريّة تُعنى بشؤون العراق.
1937 : ويمكن أن تُضاف إلى هذه الدوريات التي أصدرها الكرملي، أوَّل جريدة نسويّة في العراق، اسمها “ فتاة العرب” أصدرتها الآنسة مريم نرمي سنة 1937. وكانت هذه الآنسة قد عملت صحفيّة في مجلّة “ دار السلام” لصاحبها الأب أنستاس ماري الكرملي. ولا نشكُّ في أن الأب الكرملي هو الذي شجّعها على إصدار هذه الصحيفة النسويّة من أجل تمكين المرأة العربيّة وتقدّمها، بل نحتمل كذلك أنّه هو الذي اختار لها اسم الصحيفة “فتاة العرب” المتناغم مع دوريّتَيه “مجلة العرب” و“جريدة العرب”. ولا يشذّ عن هذا التناغم إلا اسم جريدة “دار السلام”، لأنّه أصدرها في بعد الحرب العالميّة الأولى وكان البريطانيون يشنون هجوماً عسكريّاً على ثورة العشرين، فاختار لها أحد أسماء بغداد الذي يتضمَّن السلام نقيض الحرب.
نستنتج من هذه المجالات المعرفيّة التي اشتغل فيها الكرملي، أنَّه لم يكن لغويّاً صرفاً فحسب، وإنّما وجَّه اهتمامه كذلك إلى التاريخ، والتراث الشعبيّ، ونَشْرِ كُتب التراث، والأدب، واشتغل في الصحافة؛ وهي المجالات التي استخدمها المثقَّفون الأوربيّون، في القرن التاسع عشر خاصَّةً، لتكوين الهُويّة القوميّة. وقد استخدمها الكرملي كذلك لإثارة وعي لدى أبناء جلدته العرب بهويّة قوميّة واحدة، وتنمية اعتزازهم بها لتكون أساساً لأمّة عربيّة واحدة تتمتع بالاستقلال والتقدُّم. لاحِظ، مثلاً، أسماء الدوريات التي أصدرها أو شجع على إصدارها: “مجلة العرب” و“جريدة العرب” و“فتاة العرب”. وكان بإمكانه أن يسميها مجلة العراق أو مجلة بغداد. وحتى بعد استقلال العراق عن الدولة العثمانيّة وتقسيم المنطقة العربيّة إلى دويلات على غرار العراق، مثل سورية والأردن وفلسطين ولبنان، فإنّه ظلّ متعلِّقاً بحُلمه في أمّة موحّدة للعرب. ولهذا فإنّه يسمّي الجريدة النسويّة بـ “فتاة العرب”، وليس “فتاة العراق” أو “فتاة بغداد”، على الرغم من اعتزازه ببغداديّته، حتّى إنَّ رفاقه الرهبان الكرمليّين كتبوا على رمسه (قبره) اسمه الكنسيّ “الأب انستاس ماري الكرمليّ” وأضافوا إليه لقبه الذي يحبّه “البغداديّ”.
دوافع الحركة القوميّة الثقافيّة العربيّة:
بدأت الحركة القوميّة العربيّة حركة ثقافيّة في أوائل القرن التاسع عشر، ولم تتحوَّل إلى حركة سياسيّة إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ويمكن أن تُعزى الحركة القوميّة العربيّة بوصفها حركة ثقافية إلى عدد من الدوافع والأسباب، منها قيامُ الثورة الفرنسيّة (1789) التي فتحت عصر القوميّات في أوربا؛ واحتكاكُ المثقَّفين العرب، خاصّةً المسيحيّين منهم، بالثقافات الأوربيّة، بفضل الإرساليات التبشيريّة الأجنبيّة التي فتحت المدارس والكلِّيَّات في بلاد الشام مغتنمةً الامتيازات التي منحتها الدولة العثمانيّة لها، ومواصلةُ بعض المثقَّفين العرب تعليمهم العالي في أوربا كالطهطاوي والكرملي. إضافة إلى أنَّ تضعضع الإمبراطورية العثمانيّة في القرن التاسع عشر، وسوء سياساتها الاقتصاديّة والإداريّة في البلاد العربيّة التابعة لها وتردّي أوضاع هذه البلاد، وعدم دخولها عصر الحداثة، كما هو الحال في أوربا، حيث صار يُنظر إلى المواطنة بوصفها علاقة قانونيّة وفكريّة بين الدولة والمواطن تُرتِّب واجباتٍ على كلا الطرفَين وحقوقاً لهما، على حين ظلّت الدولة العثمانيّة تنظر إلى المواطنة في ضوء الدين والمذهب والعِرق. وازداد الأمر سوءاً مع سياسة التتريك، خاصَّةً بعد أن وصلت إلى الحُكم سنة 1908 جمعيّةُ الاتّحاد والترقّي ( تركيا الفتاة) التي تقدِّم الرابطة القوميّة الطورانيّة على الرابطة الإسلاميّة، إذ ضيّق الأتراك الخناق على اللغة العربيّة، ولاحقوا الأحرار العرب سجناً ونفياً وإعداماً. وتصاعدتْ تلك السياسات القمعيّة وبلغتْ ذروتها بقيام جمال باشا السفاح، الحاكم العثماني في الشام، بإعدام 32 من خيرة الأدباء والمفكِّرين العرب في الساحات العامّة في دمشق وبيروت سنتي 1915 و1916. لكلِّ ذلك، شعر المُثقَّفون العرب، خاصّة المسيحيّين منهم، بأنَّهم مواطنون من درجة ثانية، فتاقت نفوسهم إلى وضع أُسس فكريّة وثقافيّة لوطن عربيّ موحََّد مستقلّ.
ويتّفق الباحثون في النهضة العربيّة على أنَّ روادها، على اختلاف تيّاراتهم الفكريّة والسياسيّة كانوا يسعون إلى تغيير الأوضاع السائدة في بلاد العرب، ومحاربة “ الجمود على الموجود”، ومقاومة نظام الحُكم المطلق، وبناء الدولة العربيّة المدنيّة الحديثة حيث تتعايش فيها الأديان والمذاهب والتيارات الفكريّة والسياسيّة، وتتفاعل بصورة إيجابيّة تساعد على رقي المجتمع وتقدُّمه. وفيما اتّفق رواد النهضة العربيّة على هذه الأهداف، فإنّهم اختلفوا في وسائل تحقيقها وسُبُل تنفيذها على الأرض. وهكذا نجد التيّار الدينيّ التجديديّ الذي يحاول الجمع بين الأصالة والمعاصرة والمتمثِّل في رفاعة الطهطاوي (1801ـ1873)، وجمال الدين الأفغاني (1838ـ1897)، وعبد الرحمن الكواكبي ( 1845ـ1902)، ومحمد عبده ( 1849ـ1905)، ومحمود شكري الآلوسي (1856ـ1924)؛ وهناك التيار العلمانيّ الذي يدعو إلى فصل الدِّين عن الدولة، الذي جسَّده فرح أنطون ( 1879ـ1922)؛ وثمة التيار السياسيّ الاجتماعيّ الذي كان لسان حاله ولي الدين يكن (1873ـ1921)، وسليم سركيس ( 1867ـ1926)؛ والتيّار الثقافي العلميّ الذي كان على رأسه أحمد فارس الشدياق (1804ـ1887)، وشبلي الشميل ( 1850ـ 1917)، وجرجي زيدان (1861ـ1914)، والكرملي16. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ رجال الدين المسلمين من رجال النهضة مثل الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي والآلوسي، كانوا يرومون إصلاح الخلافة الإسلاميّة وتحديثها، في حين أنَّ معظم المسيحيِّين من روّاد النهضة كان يأملون في قيام دولة عربيّة مستقلّة لا تنبني على أساس رابطة الدِّين بل على أساس رابطة العروبة أو مفهوم المواطنة الحداثيّة، بحيث يكون للمسيحيّ موطئ قدم راسخة فيها أسوة ببقيّة المواطنين.
وإذا كان الأب الكرملي هو من أبرز هؤلاء المثقَّفين المسيحيّين في العراق في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فإنَّ هنالك مثقَّفين مسيحيّين آخرين في الشام ومصر لهم التوجُّهات ذاتها، واتّبعوا الوسائل الثقافيّة التي اتّبعها الكرملي نفسها، من أجل إيجاد وعي عامٍّ بهويّة قوميّة عربيّة. وكان الكرملي على اتصال مباشر أو غير مباشر بعدد كبير منهم مثل المعلم بطرس البستاني (1819ـ1883) الذي أصدر صحيفتي “الجنان” و“ الجنة” وصنّف معجم “محيط المحيط” وشرع بإصدار “دائرة المعارف” التي أتمَّها أولاده من بعده؛ وكذلك اللغويّ الصحفيّ الشاعر الشيخ إبراهيم اليازجي (1874ـ1906) صاحب قصيدة:
تنبّهوا واستفيقوا أيها العـربُ
فقد طمى الخطبُ حتّى غاصت الرُّكبُ
فيم التعلُّـلُ بالآمالِ تخدعـكم
وأنـتُمُ بين راحـاتِ القـنا سُـلـبٌ
الله أكبرَ ما هـذا المـنامُ فقـد
شكاكمُ المهدُ واشتاقتكمُ التُّــــربُ
كم تُظلَمونَ ولستم تشتكونَ وكم تُستغضَبون فلا يبدو لكم غضـــبُ...
وهي القصيدة التي كانت الرقابة العثمانيّة تمنع طباعتها، فتنتقل بين الشباب العروبيّ شفوياً ويحفظونها عن ظهر قلب؛ وكذلك جورجي زيدان (1861ـ1914) الذي اتّبع الطرائق التي استعملها الكرملي ذاتها في تكوين وعي قوميٍّ عربيٍّ، فنشر كتابه “فلسفة اللغة العربية” ( 1886)، و“تاريخ اللغة العربية” 1904 (وهو طبعة منقحة مزيدة من الكتاب السابق)، وكتابه “ تاريخ التمدُّن الإسلاميّ” بخمسة أجزاء (1902ـ1906)، وكتابه “ تاريخ آداب اللغة العربيّة “ بأربعة أجزاء (1911ـ1914)، كما استخدم الصحافة فأسَّس مجلة “ الهلال” في مصر سنة 1892. وإذا كان جرجي زيدان لم يشتغل في مجال التراث الشعبيّ، فإنَّه اشتغل في مجال الرواية التاريخيّة التي لا يقلُّ تأثيراً في إثارة الوعي القوميّ، فأصدر 22 روايةً تاريخيّةً، كُتِب لها واسع الانتشار.
ويغفل معظم الباحثين في النهضة العربيّة والحركة القوميّة العربيّة ذكرَ الكرملي وجرجي زيدان من بين روادهما، لأنَّ هذا النفر من الباحثين الأفاضل، وجلُّهم من المتخصِّصين في التاريخ وعلم الاجتماع وليس في السياسة، لم يتمكّن من إدراك العلاقة الوثيقة بن اللغة العربيّة والتاريخ والتراث الشعبي من جهة وبين القوميّة والاستقلال والوحدة من جهة أخرى، أو بعبارة مختصرة لم يروا بوضوح الصلةَ الحميمةَ بين الثقافة والسياسة. أمّا السياسيُّ فيسهل عليه إدراك الوشائج بينهما. ففي جميع الكتابات التي تناولت الأب الكرملي، لم أجد مقالاً يربط بينه وبين القوميّة العربية إلا مقالاً واحداً كتبه أحد المشتغّلين الفاعلين في الحركة القوميّة العربيّة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وتولّى رئاسة الوزارة في العراق مرَّتين وعدداً من المناصب الوزاريّة الأخرى، ذلكم هو حمدي عبد الوهاب الباجه جي، الذي عنون مقاله عن الأب الكرملي بـ “ الكرملي في خدمة القوميّة العربيّة”18، وهو عنوانٌ يؤيِّد بوضوح ما ذهبنا إليه.
كتاب “ ديوان التفتاف أو حكايات بغداديّات” :
صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى سنة 2003 عن الدار العربيّة للموسوعات بـ 740 صفحة من الحجم الكبير بعد أن جمعه وشرحه وعلّق عليه الأستاذ عامر رشيد السامرائي. يتضمَّن الكتاب 52 حكاية من الحكايات الشعبيّة التي ترويها النساء في بيوتهن للأطفال. والحكايتان الأخيرتان لا ينطبق عليهما مفهوم الحكاية الشعبيّة، وإنَّما هما وصف للتقاليد والعادات والمعتقدات والأزياء البغداديّة في مناسبتَي (الزواج) و( الموت). وليس لهذه الحكايات عناوين، وإنّما أرقام. (تماماً مثل الحكايات الشعبيّة التي جمعها الأخوان غريم، فقد كانت في الطبعة الأولى بلا عناوين، بل تحمل كلُّ حكايةٍ رقماً تسلسليّاً.)
مُحقِّق الكتاب:
محقِّق الكتاب هو من الباحثين المتخصِّصين في التراث الشعبيّ وفي الأب أنستاس ماري الكرملي ومؤلّفاته. وكان الأستاذ السامرائي من كبار المسؤولين في وزارة الإعلام (الثقافة) العراقيّة. وعندما قرّرت هذه الوزارة إقامة احتفالٍ تكريميٍّ للأب الكرملي في دير الآباء الكرمليِّين في بغداد سنة 1970، أعدَّ الأستاذ السامرائي بهذه المناسبة كتاباً بعنوان “ الأب أنستاس ماري الكرملي”، كما أعدَّ مسؤولٌ آخر في هذه الوزارة هو الأستاذ سالم الآلوسي، كتاباً آخر بعنوان “ في ذكرى الأب الكرملي الراهب العلامة” وصدر الكتابان عام 1970 عن مطبعة الجمهوريّة التابعة للحكومة العراقيّة. إضافة إلى أنَّ الأستاذ السامرائي حقَّق ونشر كتاباً آخر من الكتب التي خلّفها الأب الكرملي مخطوطةً هو كتاب “ مجموعة في الأغاني الشعبيّة العراقية” صدر بجزأََين في بغداد سنة 1999.
ويبدو أنَّ اهتمام السامرائي في تراث الكرملي قديم يعود إلى أوائل الستينيّات، وأنه حقَّق “ ديوان التفتاف “ أو شرع في تحقيقه منذ ذلك الحين. فقد لاحظ أحد الباحثين ذلك وقال: “ ومن الغريب ... أنَّني وجدت الأستاذ كوركيس عواد يشير في كتابه عن الأب الكرملي الذي صدر ببغداد سنة 1966 إلى أنَّ الأستاذ عامر رشيد السامرائي قد حقّق هذا الكتاب، وأعدّه للنشر... ومكمن الغرابة هو أن بين التاريخَين [تاريخ إشارة عواد وتاريخ نشر الكتاب] سبعاً وثلاثين سنة، وهي مدّة طويلة جدّاً لصدور كتاب، ولعلَّ هناك أسباباً يجهلها الباحث.”19
ويمكن القول بكلِّ موضوعية إنَّ المحقِّق الكريم الأستاذ السامرائي بذل جهداً متميزاً في تحقيق الكتاب، وكتابة مقدِّمة ضافية عن حياة الأب الكرملي وأعماله، وشرح ألفاظ حكاياته وتحليلها، والتعليق عليها. فقد لاحظ في تحليله أنَّ لغة القاصِّ تضطرب أحياناً فيستعمل بعض الألفاظ التي لا تُستعمَل في اللهجة البغداديّة، أو يستعملها بمعنى مختلف، أو يكتبها بطريقة لا تمثّل نطقها؛ واستنتج من ذلك أن راوي بعض تلك الحكايات لم يكن بغداديّاً أصيلاً. كما ضبط المحقِّق الفاضل الكلمات بالشكل لتسهل قراءتها، وصحَّح النصوص الشعريّة الغنائية التي وردت في القصص والتي وقعت فيها بعض الأغلاط.
عنوان الكتاب ومضمونه:
كان الأب الكرملي قد ترك الكتاب مخطوطاً في نسختَين تقع كلٌّ منهما في 496 صفحة، تحمل إحداهما عنوان “ ديوان التفتاف “ والثانية “ ديوان التفتاف أو حكايات بغداديّات”. وكلا العنوانَين بخط الأب الكرملي، وقد اختار المحقق الفاضل عنوان النسخة الثانية.
ويشرح لنا الأب الكرملي في هامش صفحة الغلاف الداخليّ للنسخة الأولى معنى “ التفتاف” نقلاً عن معجم “تاج العروس للزبيدي” على الوجه التالي:
“ في التاج: التَفْتَاف مَن يلقط أحاديث النساء كالمتفتف. والجمع تفتافون وتفاتِف.”20
وفي تصدير الكتاب، يبيّن لنا الأب الكرملي مضمون الكتاب، إذ كتب:
“ بعد حمد الله تعالى والثناء على آلائه الجمة، أقول، وأنا الفقير إليه تعالى، الأب أنستاس ماري الكرملي، كنتُ قد عُنِيتُ، منذ عودتي من ديار الإفرنج إلى مسقط رأسي بغداد، بجمع ما يرويه بعض العوام من ضروب الحكايات بلهجتهم العاميّة البدويّة الإسلاميّة. ولما اجتمع عندي منها قَدْرٌ يستحقُّ التبييض، دفعتُها إلى أحد النُسَّاخ لينقلها بقلمه الجليّ الواضح، فجاءت بهذه الصفحات... بغداد في سنة 1933 في 7كانون الأول منها”21
نستخلص من هذا التصدير المعلومات التالية:
1- إنّ الأب الكرملي يعتزّ بتقاليد التأليف العربيّة فيبدأ كتابه بـ “ بعد حمد الله تعالى والثناء على الآئه الجمة” ويقدّم اسمه بعبارة “وأنا الفقير إليه تعالى” وهي ذات العبارات التراثيّة التي يستعملها فقهاء المسلمين آنذاك في مؤلَّفاتهم.
2- إنّ العمل في جمع هذه الحكايات واستنساخها استمر 39 سنة من سنة 1894 إلى سنة 1933، طبعاً إلى جانب انشغالاته الأخرى.
3- إنّ الأب الكرملي كان قد خطَّط أثناء دراسته العالية في فرنسا للمجالات المعرفيّة التي سيشتغل فيها بعد عودته إلى بغداد.
4- إنّ الأب الكرملي، بوصفه متضلِّعاً من فقه اللغة الحديث، آنذاك، يجمع الحكايات من “اللهجة العاميّة البدويّة الإسلاميّة” التي قد تختلف صوتيّاً وصرفيّاً ودلاليّاً عن اللهجة العاميّة العراقية المدنيّة النصرانيّة أو اليهوديّة التي جمع أمثالها وحكاياتها في كتاب آخر. وهذا الاختلاف ناتج من المبدأ اللساني القائل بتأثُّر اللهجات الاجتماعيّة للغة بالثقافات الفرعيّة للثقافة الواحدة داخل القطر الواحد.
ديوان التفتاف والتراث الشعبيّ :
في موضع لاحق من التصدير، يبيّن لنا الأب الكرملي أنّه طلب من الناسخ أن يضيف إلى الكتاب “ أنواع الحكايات التي تُروى في مجالس النساء في كلِّ بيت” مقابل أجر إضافي ليشجَّعه على ذلك. ويخبرنا الأب الكرملي أنَّ “ هذا الفنّ يعرف عند الإفرنج بالكلمة Folklore ومعنى Folk قوم وجمع ومعنى Lore معرفة، فيكون محصّل اللفظ الإنكليزيّ علم القوميّات.” 21
وهكذا فهو لا يخفي أن اشتغاله بالتراث الشعبيّ ناتج عن تأثُّره بالثقافة الأوربيّة واحتكاكه بها ومحاكاته لها.
طبيعة حكايات الكتاب :
حكايات الكتاب هي حكايات ترويها النساء، فهي تختلف عن الحكايات التي يرويها الرجال في مجالسهم أو مقاهيهم أو بعض الساحات العامّة مثل حكاية سيف بن ذي يزن، وحكاية عنتر بن شداد وحكاية الزير. كما أنّها حكايات تُروى للأطفال في الأُمسيات لتزجية الوقت في زمن لم يكُن فيه مذياع ولا سينما ولا تلفاز ولا حاسوب. ولهذا فإنَّ هذه الحكايات تتّسم بالإطالة. وكلّ حكاية تبدأ بعبارة (هناك ما هناك) وهي تقابل عبارة ( كان يا ما كان)، وتنتهي بعبارة (كنا عندكم وجئنا) وهي إشارة الختام. ومن أجل التشويق تستخدم هذه الحكايات كثيراً من الجنّ، والساحرات، والخوارق، والحيوانات الناطقة، والحيوانات التي تُمسَخ بشراً وبالعكس. وهذه العناصر السحريّة ليست وقفاً على الحكايات الشعبيّة العربيّة، بل نجدها في الحكايات الألمانيّة التي جمعها الأخوان غريم، وفي الحكايات الدنماركيّة التي جمعها هانس كرستيان أندرسون في القرن التاسع عشر نفسه22. ولما كان الراوي تنقصه الخبرة الفنيّة في السرد، فإنَّ القصص ضعيفة الحبكة، والوصف فيها نادر، والشخصيات والأماكن غير محدَّدة المَعالِم، ما يُطلِق خيال السامع، ويترك له الحريَّة في تصوّر التفاصيل. وتتضمَّن هذه الحكايات بعض الخصال الإنسانيّة السلبيَّة كالغيرة والحسد والرغبة في الانتقام بحيث يضطر البطل إلى مقاومة الشرِّ والانتصار عليه في النهاية. ونلخّص هنا الحكاية الأولى تلخيصاً شديداً، لإعطاء فكرة عن مضمون هذه الحكاية:
ـ هناك ما هناك ـ ذهب رجل شرس مقدام إلى بلاد السلطان نسيم وحلّ ضيفاً عليه. وفي الصباح دخل السلطان نسيم في الإسطبل وألقى نظرة على خيوله، ثم أمرَ الجلاد أن يقطع رأس السائس المسؤول عن العناية بالخيول في تلك الليلة. وفي الصباح الثاني فعل الشيء نفسه. وفي الصباح الثالث كذلك. فسأل الضيفُ السلطانَ عن سبب ذلك الأمر غير المعقول، فأخبره السلطان بأنَّ لديه مهرة عزيزة، ولكن السوّاس لا يعتنون بها، ففي كلِّ يوم يجدها منهكة. فاقترح الضيف أن يقوم مقام السائس تلك الليلة ليعرف السبب، ووافق السلطان.
لبس الضيف زي السائس واستقرَّ في الإسطبل. وفي منتصف الليل دخلت زوجة السلطان، وأمرته بأن يسرج المهرة لها ويركب فرساً أخرى ويتبعها. ووصلت إلى مفازة وطلبت منه أن ينتظرها هناك. وتابعت هي سيرها. ولكن الضيف أخذ يتبعها خلسة من بعيد، ولمحها تدخل مغارة. وهناك رأى أربعين من الجن، استقبلوها وأمضوا الليل كلَّه بالرقص والمرح. وقُبيل الفجر عادت إلى قصر السلطان والضيف السائس برفقتها.
وعندما دخل السلطان الإسطبل في الصباح متفقداً مهرته وخيوله، أخبره الضيف بما رأى بأُمّ عينه. وفي تلك الليلة، تنكر السلطان بزي السائس وأخذ يترقّب وصول زوجته. وفعلاً وصلتْ عند منتصف الليل وأمرته أن يسرج لها المهرة ويتبعها ففعل. وعندما أمضت السهرة مع الأربعين جنِّي عادت إلى المكان الذي ينتظرها فيه وطلبتُ منه أن يعود بها. ولكنّه رجاها أن تنتظره لبعض الوقت ليبحث عن كيس تبغه، وذهب إلى المغارة وهجم على الجنِّ بسيفه وقطع رؤوسهم ووضعها في كشكوله وعاد إلى زوجته واصطحبها إلى القصر، فذهبت إلى غرفتها لتنام ونام هو في غرفته وبجانبه كشكوله.
في الليل رأت زوجة السلطان كابوساً أزعجها مفاده أنّ زوجها اكتشف الأمر، فأخبرت أُمَّها بذلك، وكانت أُمُّها على عِلمٍ بأفعالها مع الجن. واقترحت على أمِّها أن تقوم بسحر يمسخ زوجها بغلاً. فقالتّ الأم إنّ ذلك يقلّل من اعتباره واحترام الناس له بوصفه سلطاناً. ولهذا مسخته لقلقاً. وعندما شاهدت اللقالقُ الأُخرى اللقلقََ/السلطانَ، وهو غريب عنها، هاجمته ونتفتْ ريشه وألقتْ به أرضاً. غير أنَّ فاختات ثلاث مررن عليه ورثين لحاله ففعلن شيئاً من السحر أعاده إلى سيرته الأولى. وهكذا عاد إلى قصره.
وهناك ضرب زوجته بقضيب فقلبها إلى فاختة ووضعها في قفص. وأخذ يبحث عن عروس بريئة، فبحث عن امرأة حامل. وعندما ولدت طفلة، أخذوا تلك الطفلة ووضعوها في مكانٍ منعزلٍ في سرداب حتّى لا تختلط بمخلوق. وعندما كبرت تزوجها وولدتْ له أطفال، وهي في عزلة تامّة عن العالم الخارجيّ. وذات يوم رأت ضوءاً من بعيد وسألت الخادمة عنه فأخبرتها بأنَّه جزء من العالم الخارجيّ. وعندما جاء زوجها السلطان حتّمت عليه الخروج إلى العالم الخارجيّ. فاضطرَّ إلى مرافقتها ومعه أولاده إلى بستانٍ للتنزه وهي محاطةبالحرس والعساكر. وهناك تزحزحت صخرة وخرج منها أربعين من الجنِّ وهم يصيحيون بالسلطان: ها نحن قد عدنا. ثم قيدوا السلطان بالسلاسل وأخذوا يلهون مع زوجته. وعندما نام الجنّ، طلب السلطان من أولاده فك قيوده، واستلَّ سيفه وقضى عليهم جميعاً. وعندما رأت زوجته ذلك توسَّلت إليه أن يبقي على حياتها. ولكنَّه لامها لعدم استماعها إلى نصيحته وضربها على أُمِّ رأسها. ولخيبته تنازل عن الملك وصار درويشاً يتنقّل في البلاد. ـ كنا عندكم وجئناـ .)
مشكلة الازدواجية اللغوية: العربية الفصحى والعاميّات:
يدلُّ مصطلح “ الازدواجيّة اللغويّة”، في علم اللغة الحديث، على وجود مستويَين في اللغة الواحدة، أحدهما فصيح يُستخدَم للكتابة والمناسبات الرسميّة، والآخر عاميّ يُستخدَم في المنزل والحياة اليوميّة.
ولا تقتصر هذه الظاهرة اللسانيّة على اللغة العربيّة فحسب، وإنّما تشمل كذلك جميعَ اللغات الكبرى. بَيدَ أنَّ الدول الأُخرى خطَّطت سياساتها التربويّة والإعلاميّة بهدف سيادة اللغة الفصحى المشتركة وتحجيم العاميّة، أما في البلاد العربيّة فلا توجد مثل هذه السياسات الواعية.
وكانت الازدواجيّة اللغويّة في الألمانية، مثلاً، أخطر منها في اللغة العربيّة خلال القرن التاسع عشر. فاللهجات الألمانيّة المتعدِّدة تعود جذورها إلى القبائل الألمانيّة القديمة المختلفة. وغالباً ما تختلف هذه اللهجات عن الألمانيّة الفصيحة Hochsprache/Hochdeudtsch في معجمها وصوتيّاتها ونحوها (أي في مفرداتها ونُطقها وتراكيبها). وإذا أخذنا التعريف الضيِّق للّغة القائم على معيار الفهم المتبادل بين الناطقين بهذه اللهجات الألمانيّة، فإنَّه يمكن اعتبار هذه اللهجات لغاتٍ منفصلةً، لأنّ الناطقين بها لا يفهم بعضهم بعضاً، ولأن الناطقين باللغة الألمانيّة الفصيحة المشتركة لا يفهمونها 23. وأذكر أنَّني عندما كنتُ أدرس اللغة الألمانيّة في معهد غوته في بلدة (روتنبرغ أب در تاوبر) صيف 1979، قمتُ بزيارة لجامعة هايدلبرغ، ثم ركبتُ سفينة سياحيّة تجوب نهر النكر الذي تطلُّ عليه قلعة هايدلبرغ. فسمعتُ مجموعة من السياح بجانبي تتحدِّث بصوتٍ عالٍ، ولكنّني لم أفهم منه شيئاً. فسألتُ رفيقتي، وهي أستاذة جامعية ألمانيّة، عن اللغة التي تتحدّث بها تلك المجموعة. فقالت: الألمانيّة. فسألتُ: وما هو الموضوع الذي أثار حدّتهم ورفع أصواتهم؟ قالت: لا أعرف، لأنّهم يتحدثون بلهجتهم وأنا لا أفهمها.
وتنقسم اللهجات الألمانيّة إلى مجموعتين لغويَّتين: اللغة الألمانيّة العليا، واللغة الألمانيّة السفلى ذات الأصول السكسونيّة. وفي سنة 1534 م صدر أنجيل لوثر وكان المقصود منه أن تفهمه أغلبيّة الألمان على اختلاف لهجاتهم. وكانت هذه الترجمة للأنجيل تستند إلى اللهجات الألمانيّة العليا والوسطى، بحيث ظهرت لغة ألمانيّة عليا جديدة، هي نواة اللغة الألمانيّة الفصيحة المشتركة. وخلال القرن التاسع عشر عملت المدارس الواسعة الانتشار على تعميم هذه اللغة الألمانيّة الفصيحة المشتركة بوصفها لغة التعليم، وراحت اللهجات السكسونيّة السفلى تتراجع أمام اللغة الألمانيّة الفصيحة، لتمسي اليوم لغةَ غير المثقفين وينحصر استعمالها في المنازل فقط. ولكن حتّى الفصيحة الألمانية المشتركة لها نوعيّات متباينة، محليّة أو من مخلّفات تلك اللهجات، بحيث أنّ الألمانيّة الفصيحة في همبورغ تختلف عن الألمانيّة الفصيحة في ميونخ، من حيث معجمها وصوتياتها (أي بعض مفرداتها ونطقها)24.
الأب الكرملي ومشكلة الازدواجيّة في “ ديوان التفتاف” :
في “ ديوان التفتاف” ، يحرص الأب الكرملي على تسجيل الحكايات باللهجة البغداديّة العاميّة. ويبدو لنا أنَّ تدوينه العاميّة يتناقض تماماً مع ما اشتهر عنه من حرصه الشديد على التمسك بالعربيّة الفصحى. وفي هذا يقول صديقه الأستاذ كوركيس عواد في مقدِّمته لمعجم الأب الكرملي “ المساعد”:
“ أما مذهبه في وجوب التمسُّك بالعربيّة الفصحى، ونبذ “العامية” التي أخذ بعضهم ينادي بها أو يؤلِّف فيها، فأشهر من أن يُذكَر. لقد كان طوال حياته يدافع عن الفصحى، ويرى أنّها قوام العروبة، وأنّها نقطة تلاقي العرب أجمع أنّى وُجِدوا.” 25
ويشير كلام الأستاذ كوركيس عواد هذا إلى الدعوة التي ظهرت في مصر بعد الاحتلال البريطاني لأرض الكنانة (سنة 1882)، إلى استعمال العاميّة بدل الفصحى، والتي كان على رأسها المهندس الإنكليزي وليم ويلكوكس الذي تولى تحرير مجلّة الأزهر، والمستشرق الألماني فيلهلم سبينتا (1818ـ1883) مدير دار الكتب الخديوية (المصرية حالياً). وتجاوب مع هذه الدعوة عدد من العرب بدرجات متفاوتة مثل أحمد لطفي السيد (1872ـ1963) ويعقوب صروف (1852ـ1927). وقد كشفت الرسائل المتبادلة بين الأب الكرملي وأحمد تيمور باشا (1871ـ1930) [وهو شقيق الشاعرة عائشة التيمورية (1840ـ1902) ووالد الأديبين محمد تيمور (1892ـ1921) ومحمود تيمور(1894ـ1973)] أنَّ الأب الكرملي وأحمد تيمور باشا كانا معارضَين لتلك الدعوة إلى استعمال العاميّة وضدّ استخدام الحرف اللاتينيّ بدل الحرف العربيّ. فيقول الأب الكرملي في إحدى هذه الرسائل بتاريخ 1/9/1922: “ فكيف يحاول هؤلاء الناس النهوض من كبوتهم وهم يعادون لغتهم ولغة آبائهم؟!”26
ما أصدق هذا القول في الوقت الحاضر الذي تنشط فيه استراتيجيات الدول الكبرى من أجل تقسيم البلدان العربيّة، والذي تجدَّدت فيه الدعوة إلى إحلال العاميّات محل الفصحى، واستخدام اللهجات بصورة مكثفة في الإعلام والتعليم من أجل وضع نهاية للفصحى التي توحّد العرب ثقافياً.
ولكن ها هو الأب الكرملي يدوّن تلك الحكايات باللهجة العاميّة البغداديّة. فكيف نفسّر ذلك، مع العِلم أنّه كان يعمل بجد وإخلاص من أجل وحدة كلمة العرب وإعلاء شأن القوميّة العربيّة وأساسها العربية الفصحى المشتركة، كما أوضحنا؟ أليس ذلك تناقضاً ظاهراً؟
لقد أخذ الأب الكرملي يجمع حكايات “ديوان التفتاف” البغداديّة باللهجة العاميّة بعد عودته من أوربا لغرضين:
الأوّل، ثقافيّ، يتجسَّد في العناية بالتراث الشعبي الذي يميّز الأُمّة العربيّة عن غيرها من الأمم كالأمّة التركيّة مثلاً. وهذه وسيلة من وسائل إثارة الوعي بهُويّة عربيّة مستقلَّة؟
الثاني، لسانيّ، إذ تساعدنا دراسة اللهجات العاميّة على معرفة مواضع انحرافها أو تحوّلها عن العربيّة الفصيحة، صوتيّاً ونحويّاً ودلاليّاً ( كما درس الأخوان غريم اللهجات الألمانيّة للتوصُّل إلى قانون غريم الصوتيّ) بحيث تكون هذه الدراسات وسيلة من وسائل تفصيح العاميّة، وتعميم الفصحى. وهذا ما عبّر عنه الدكتور إبراهيم السامرائي بقوله: “ إنّه [الأب الكرملي] يؤمن بالتطوُّر اللغويّ التاريخيّ وأن لا غنى للمتصدِّي للعربيّة الفصيحة ومعرفتها معرفة تاريخيّة، من الإلمام بهذه الألوان اللغويّة العامّة [أي اللهجات].” 27.
يبدو لي أنَّ الأب الكرملي، بعد أن جمع في كُتُبٍ الحكاياتِ والأمثالَ والأغاني الشعبيّة بلهجتها العاميّة، أدرك مدى الضرر الذي تسبّبه هذه الكُتب لدعوته إلى صيانة العربيّة الفصحى ونشرها واستعمالها ، فأحجم عن نشر تلك الكُتُب، فبقيت مخطوطةً بعد وفاته. والدليل على ذلك أنه نشر أثناء حياته 23 كتاباً من مؤلَّفاته، ليس من بينها كتابٌ واحد باللهجة العاميّة، وإنّما جميعها باللغة العربيّة الفصحى28. وكان في ميسوره ـ أثناء حياته وقد تبوأ مكانة اجتماعيّة مرموقة تؤهِّله للمشاركة في تأبين الملك الراحل فيصل الأول ـ أن ينشر كتبَه المخطوطة المتعلِّقة بالأمثال العاميّة، والأغاني العاميّة، والحكايات العاميّة. ولكنّه لم يفعل وفضّل تركها مخطوطةً.
إذن هنالك تناقض بين ضرورة العمل في التراث الشعبي ودراسته بلهجاته العاميّة وبين ضرورة صيانة اللغة الفصحى وتعزيزها وتعميمها ونشرها بوصفها أداةَ التواصلِ المشتركةَ بين أبناء الأُمّة على اختلاف لهجاتهم وأداةَ الاطلاع على تراث الأُمّة ونقله إلى الأجيال القادمة. ولا بدّ أنَّ هذا التناقض واجه الأب الكرملي، وكذلك محقِّق “ ديوان التفتاف” الذي راح يشرح التعبيرات العاميّة العراقيّة بما يقابلها بالفصحى في هامش كلِّ صفحة، وهو أجراء مفيد ولكنَّه ليس كافياً، في نظرنا. إذن لنبحث عن الحلّ في أعمال الأخوين غريم، ما دمنا قد افترضنا أنَّ الأب الكرملي حذا حذوهما في إثارة الوعي بهُويَّة قوميَّة مستقلَّة. فكيف واجه الأخوان غريم هذه المشكلة؟
حوالي سنة 1807، أخذ الأخوان غريم يجوبان الولايات الألمانيّة التسع والثلاثين، ويجمعون الحكايات الشعبيّة من أفواه النساء اللواتي يسردنها بلهجاتهن المتباينة. بيدَ أنَّ الأخوَين غريم أعادا صياغة هذه الحكايات باللغة الألمانيّة الفصيحة المشتركة الميسَّرة، وأضفيا عليها نوعاً من التشويق الفنيّ والأدبيّ، ما جعل هذه الحكايات عند نشرها، تحقِّق انتشاراً واسعاً وإقبالاً كبيراً من قِبل القراء، فتُعاد طبعاتها ستة مرات أثناء حياتهما، ومئات المرات بعد وفاتهما، حتّى أصبحت تلك الحكايات الشعبية أكثر الكُتب الألمانيّة رواجاً بعد أنجيل لوثر، وساهمت إلى جانب هذا الإنجيل في نشر اللغة الألمانية الفصيحة المشتركة وتعزيزها.
الخاتمة:
ولهذا كنّا نتمنى لو أنَّ المحقِّق الفاضل قد حرَّر حكايات ديوان التفتاف باللغة العربيّة الفصحى لتحقِّق انتشاراً واسعاً لا في العراق فحسب، بل في جميع البلاد العربيّة على اختلاف لهجاتها، ولتكون عاملاً في تعزيز اللغة العربيّة الفصيحة المشتركة بين أبناء أُمّتنا. وكان بإمكانه كذلك أن يضع في الهامش بعض الألفاظ العامية العراقية وقواعد اختلافها عن الفصحى للباحثين اللغويين29. وهذا ما كان يطمح إليه جامع تلك الحكايات المرحوم الأب الكرملي. أو كان بإمكان المُحقِّق الفاضل أن يفعل كما فعل الدكتور محسن مهدي الذي كان مديراً لمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفرد، عندما حقّق كتاب “ ألف ليلة وليلة”، إذ أعدّ طبعتين: إحداهما لعامّة القراء، والأُخرى لخاصّتهم من الباحثين في اللهجات، وتشتمل على الإضافات العامّيّة التي كان يضيفها الناسخون في بغداد ودمشق والقاهرة.
هوامش ومراجع
1- الأب أنستاس ماري الكرملين، ديوان التفتاف أو حكايات بغداديات”، تحقيق : عامر رشيد السامرائي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2003).
2- توجد كثير من الكتب والأطروحات والرسائل الجامعيّة المتخصِّصة في سيرة الأب أنستاس ماري الكرملي وأعماله. ومن هذه الكتب:
- أمين ظاهر خير الله، البرهان الجلي علي عِلم الكرملي، دمشق 1936.
- جورج جبوري، الكرملي الخالد، بغداد 1966.
- كوركيس عواد، الأب أنستاس ماري الكرملي، حياته ومؤلفاته، بغداد، 1966.
- د. إبراهيم السامرائي، الأب أنستاس ماري الكرملي وآراؤه اللغوية، القاهرة 1969
- سالم الآلوسي، في ذكرى الأب الكرملي الراهب العلامة، بغداد 1970
- عامر رشيد السامرائي، الأب أنستاس ماري الكرملي، بغداد 1970.
كما خصص غيرهم فصولاً عنه في كُتُبهم، ومنهم:
- روكس بن زائد العزيزي، سدنة التراث القومي، القدس 1946
- رفائيل بابو إسحاق، تاريخ نصارى العراق، بغداد 1948
- عبد القادر البراك، أعلام من الشرق، بغداد 1950
3- مير بصري، أعلام اليقظة الفكريّة في العراق الحديث، ج1، بغداد 1971
4- رضا كحالة، معجم المؤلِّفين ، بيروت، ب ت
5- أسعد يوسف داغر، مصادر الدراسة الأدبيّة ج 1 ( بيروت: 1956
6- مصطفى جواد، المباحث اللغويّة في العراق، بغداد، ط2، 1965.
6ـ فائق بطي، أعلام في صحافة العراق، بغداد 1971.
7ـ محمد بهجة الأثري، أعلام العراق، بغداد
8ـ خير الدين الزركلي، الأعلام، بيروت
9ـ مير بصري، أعلام الأدب في العراق الحديث، لندن 1994
كما توجد أكثر من مائتي دراسة ومقال كتبها باحثون عرب وغربيّون عن الأب أنستاس ماري الكرملي، طبقاً لإحصائية أجراها الباحث والمكتبي كوركيس عواد.
3- أحمد تمام، “ أنستاس الكرملي.. في معبد العربيّة” :www.islamonline.net/Arabic/
4- الأب أنستاس ماري الكرملي، ديوان التفتاف أو حكايات بغداديّات، المرجع السابق، مقدِّمة المحقِّق الأستاذ عامر رشيد السامرائي، ص 9
5- الأب أنستاس ماري الكرملي، أديان العرب وخرافاتهم. تحقيق: د. وليد محمود خالص (بيروت: المؤسَّسة العربيّة للدراسات والنشر، 2005)، ص 9.
6- أديسون هيدو، “ الأب أنستاس ماري الكرملي” في
www.zahrira.net/?p=2339
7- الأب أنستاس ماري الكرملي، أديان العرب وخرافاتهم، المرجع السابق، مقدِّمة المحقق الدكتور وليد محمود خالص، ص 19. أما كوركيس عواد فقال “ بسبب مناداته باللغة العربيّة والإشادة بمحامدها”.
8- لمزيد من التفاصيل انظر:
Paul-Marie of the Cross, Steven Payne. Carmelite Spirituality in the Tresien Taradition(1997). ICS Publications, U.S.
وكان الشاعر العربي الفلسطيني الحيفاوي محمود درويش قد أصدر مجلة اسمها “ الكرمل” .
9- الأب أنستاس ماري الكرملي، المساعد، تحقيق: كوركيس عواد وعبد الحميد العلوجي (بغداد: وزارة الإعلام، 1972) ج 1 ص 10 من “حياة المؤلف”،
10- Regina Bendix,” The Uses of Disciplinary History” in: Radical Hisory Review, Issue 48, Fall 2002, pp.110-114
وانظر كذلك:
Karl Kaser, “ Historical Mythand the invention of Political Flolklore in Contemporary Serbia” in Newsletter of the East European Anthropology Group, Spring 1998, Vol. 16, No.1.
10- www.wikipedia.com
11- “Historical Novel” in: www.wikipidea.co
12- www.wikipedia.com
13- جاءت هذه الإحصائيات عن مؤلَّفات الكرملي، ومقالاته، والدوريات التي نشرتها في كتاب:كوركيس عواد، الأب أنستاس ماري الكرملي: حياته ومؤلفاته (بغداد 1966).
14- تم جمع بعض هذه الرسائل ونشرت في عدد من الكتب والدوريات منها:
ـ كوركيس عواد ورفاقه، الرسائل المتبادلة بين الكرملي وتيمور (بغداد 1974)
ـ كوركيس عواد وميخائيل عواد، أدب الرسائل بين الآلوسي والكرملي (بيروت 1987)
15- قائمة مؤلَّفات الكرملي التي نذكرها هنا ليست كاملة. يمكن الاطلاع على القائمة الكاملة وأماكن حفظ المخطوط منها، وصفحات كلِّ مؤلَّف منها في مقدّمة معجم “ المساعد “ للكرملي، تحقيق كوركيس عواد وعبد الحميد العلوجي، بغداد 1972، وفي كتاب “ الأب أنستاس ماري الكرملي: حياته ومؤلفاته” لكوركيس عواد، بغداد 1966.
16- انظر مثلاً: مقال الدكتور حبيب الجنحاني، في جريدة الزمان، العدد 1420 بتاريخ 31/1/ 2003، ولم يذكر الجنحاني الكرملي ولا جرجي زيدان بين رواد النهضة العربية التي تحدّث عنهم في مقاله.
17- الأب أنستاس ماري الكرملي، ديوان التفتاف أو حكايات بغداديات، مرجع سابق، مقدِّمة المحقِّق، ص 14.
18- حمدي الباجة جي، “ الكرملي في خدمة القومية العربية” شهادة منشورة في كتاب : جورج جبوري، الكرملي الخالد، بغداد 1966.
19- الأب أنستاس ماري الكرملي، أديان العرب وخرافاتهم، تحقيق وتقديم: د. وليد محمود خالص، مرجع سابق، مقدمة التحقيق، ص 16.
20- ديوان التفتاف، ص 36.
21- يُقال إنَّ عالم الآثار البريطاني وليم توماس هو الذي استعمل مصطلح Folklore أول مرة في رسالة بعث بها إلى إحدى الصحف البريطانية سنة 1846، لأنّه أراد أن يولّد مصطلحاً انكلوسكسونياً بدلاً من التسمية القديمة Popular Antiquities (أي العاديات الشعبية). وعندما دخل هذا المصطلح Folklore إلى البلاد العربية، لم يُكتب القبول والانتشار للمقابل العربي الذي وضعه الأب الكرملي “ علم القوميّات”، فاستخدم الكُتّاب مقابلات أخرى مثل “مأثورات شعبية” و“ شعبيات” و“ فنون شعبية” و“ آداب شعبية”. ثم شاع مصطلح “ التراث الشعبيّ “ الذي وضعه سنة 1962 الباحث العراقي الأستاذ عبد الحميد العلوجي (ت 1995) ، أحد مسؤولي وزارة الثقافة العراقية، وريما يعود نجاح هذا المصطلح إلى مجلّة “ التراث الشعبيّ “ التي أصدرتها تلك الوزارة.
22- هانس كريستيان أندرسون، قصص وحكايات خرافيّة، ترجمة: دنى غالي وستي غاسموسن (دمشق: دار المدى، 2006)
23- “ German Dialects 1:You’re not always going to hear Hochdeutsch” Source: dtv-Atlas zur deutschen Sprache, by Werner Kônig, 1994, Deutscher Taschenbuch Verlag. Munich.وانظر كذلك:
- www./en.wikipedia.org/wild/German_Language#dialects
24- المرجع السابق.
25- الأب أنستاس ماري الكرملي، المساعد، تحقيق كوركيس عواد وعبد الحميد العلوجي، مرجع سابق، حياة المؤلِّف، ص 9.
26- رجاء النقاش، “هل هناك مجمع لغوي مجهول” في جريدة “الأهرام” القاهرية “بتاريخ 3/10/2004. وانظر كذلك : كوركيس عواد ورفاقه، الرسائل المتبادلة بين الكرملي وتيمور، مرجع سابق.
27- د. إبراهيم السامرائي، الأب أنستاس ماري الكرملي وآراؤه اللغوية، مرجع سابق، ص 45.
28- أنظر قائمة مؤلفاته المطبوعة خلال حياته في كتاب:
ـ كوركيس عواد، معجم المؤلفين العراقين في القرنين التاسع عشر والعشرين 1800ـ1969(بغداد: مطبعة الإرشاد، 1969) ص 152ـ154.
29- بحث الدكتور صالح جواد الطعمة في أطروحته التي قدمها لنيل الدكتوراه من جامعة هارفرد، مواطن الاختلاف بين العامية العراقية والعربية الفصحى فوجد أنها تتبع قواعد محددة، مثل تحوُّل الوحدة الصوتية /ق/ الفصيحة إلى /ق/ العامية، وهكذا.