فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

دراسة الحكاية الشعبية الأفريقية

العدد 17 - أدب شعبي
دراسة الحكاية الشعبية الأفريقية
كاتب من البحرين

كلما مات عجوز احترقت مكتبة

عندما أطلق أمادو  أمباتي با صرخته الشهيرة " في أفريقيا كلما مات عجوز احترقت مكتبة غير مكتشفة "  كان يدرك وبحكم موقعه وجهوده مدى فداحة فقدان ما يمثله التراث الشفهي الأفريقي من خسارة لأحد المكونات التاريخية للذاكرة البشرية . حيث تشكل الحكاية الشعبية رافدا أساسيا من روافد هذا الكنز الشفهي إلى جانب الأشكال الأخرى من السرد والطقوس التي تعد اليوم المواد المكونة لبحوث الانتروبولوجيا الثقافية والاثنولوجيا وسواها من العلوم الإنسانية .

 

وقد نصت الاتفاقية الدولية لحماية التراث غير المادي والصادرة عام 2003 عن منظمة اليونسكو في مطلعها على أهمية هذا التراث ودوره في التنمية البشرية  على ما يلي : "وبالنظر إلى أهمية التراث الثقافي غير المادي بوصفه بوتقة للتنوع الثقافي وعاملا يضمن التنمية المستدامة، وفقا لما أكدته توصية اليونسكو بشأن صون الثقافة التقليدية والفولكلور لعام 1989، وإعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي لعام 2001، وإعلان اسطنبول لعام 2002 ، المعتمد في اجتماع المائدة المستديرة الثالث لوزراء الثقافة"كما نبهت الاتفاقية إلى الأخطار والتحديات التي يواجهها هذا التراث:

"وإذ يلاحظ أن عمليتي العولمة والتحول الاجتماعي، إلى جانب ما توفرانه من ظروف مساعدة على إقامة حوار متجدد فيما بين الجماعات، فإنهما، شأنهما شأن ظواهر التعصب، تعرضان التراث الثقافي غير المادي لأخطار التدهور والزوال والتدمير، ولاسيما بسبب الافتقار إلى الموارد اللازمة لصون هذا التراث"ووفق المادة الخامسة من الاتفاقية تشكلت اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي.وتوالت  الجهود الدولية الداعمة لجمع وتوثيق وتدوين وتسجيل وتصنيف الحكايات الشعبية الأفريقية .كما ساهمت مساعي أمادو أمباتي با  ومنذ بداية ستينيات القرن الماضي وخلال عقدين منه على بلورة نصوص الاتفاقية واعتمادها . وكانت الركيزة الأساسية لصون ما أمكنها من الحكايات الشعبية التقليدية من الاندثار .

يقول الباحث برنارد موراليس( في العدد 158 لعام 2000  من دورية "كراسات الدراسات الأفريقية ") وذلك من خلال تحليله لكتاب الباحثة والأستاذة في جامعة نيودلهي أكاروال كوسوم  " أمادو أمباتي با والأفريقانية ، من البحث الانثروبولوجي إلى ممارسة وظيفة الكاتب " والصادر عن دار أرماتان في كل من باريس ومونتريال عام 1999 ( تعتبر  مؤلفات أمباتي با  اليوم وبحق كأحد أهم الأعمال في الأدب الزنجي ـ الأفريقي، وذلك لسبب رئيسي وهو ما يمتاز به الكاتب المالي من معرفة في منهج المقالة التاريخية ونشر النصوص باللغات الأفريقية، سواء السردية منها أو السيرة الذاتية، وما يشكله هذا المنجز لأفريقيا.“

وعن علاقته المزدوجة بالاثنولوجيا والأدب يقول آدم باكوناري بأن أمباتي با " راو مقتدر وكاتب يقظ واع بالمحيط الاجتماعي-الثقافي الأفريقي، يحاول التوفيق بين المطالب الفنية والهموم الاجتماعية التي يعانيها في أعماقه، وبكل الشحنات العاطفية والجمالية للغة، كذلك يغني الأدب الأفريقي بمراجع تحتل مكانة متميزة، ليس في البرامج التعليمية للعديد من البلدان الأفريقية ولكن أيضا في الأنطولوجيات والكتب الإرشادية لتدريس المناهج المدرسية. وإليه يعود الفضل أيضا في التمكن من إدراك التكامل بين حقائق ومتطلبات العالم الحديث وتلك العائدة إلى الماضي. إنه يدعو الأفارقة وعلى امتداد القارة إلى جمع جوهر هذا التراث الثقافي المتعدد الثراء والتنوع. ليس من أجل القطيعة مع بقية العالم، ولكن بهدف البناء والانسجام مع الأمم بمعيار القيم المؤسسة لهوية كل شعب، حتى يمكن تحقيق المدينة الإنسانية الكبرى حيث يمكن للإنسان تجنب مخاطر الفرقة والحروب."

بحث امباتي با في أكثر الزوايا عزلة وعتمة ليلتقط منها، بصبر وشجاعة بحث وتقص تفرد بهما ، من أصغر الحكايات إلى كبراها ، فأفريقيا القديمة تقول لنا" كن مصغيا، فكل شيء يتكلم، وكل شيء كلام يحاول أن ينقل لنا حالة كائن  يثري بصورة غامضة، تعلم الإصغاء إلى الصمت، لتكتشف أنه موسيقى"

وعنه يقول آدم باكوناري في الكتاب التذكاري الصادر بمناسبة مئوية مولد ه: فور تخرجه من المدرسة الفرنسية مكنته بحوثه الميدانية من الاتصال المباشر بأصحاب المعارف التقليدية الأصلية والتي يستدعي مقاربتها التقيد بعدد من القوانين والمبادىء. أما المعطيات التي قام بجمعها في ظروف قاسية أحيانا، فهي رأس مال قيم لدارسي المجتمعات الأفريقية، وتشهد مقاربة البروفيسور جوزيف كي – زوربو  على هذه الإشكالية الابستمولوجية حيث يقول " إلى جانب مصدري التاريخ الأفريقي (الوثائق المكتوبة والآثار) تبرز التقاليد الشفهية كمحرك لرأس مال الخلق الاجتماعي – الثقافي المتراكم لشعوب اشتهرت بالشفاهية وهي متحف حقيقي حي. ويشكل الكلام التاريخي خيط أريان لتسلق الدهاليز المظلمة لمتاهة الزمن. والمحنكون  - هم من يمسكون بطرف الخيط – ذي الرؤوس المتمرسة، بأصواتهم المتهجدة وذاكرتهم العصية، يشبهون آخر من تبقى من الجزر في مشهد كان يوما، في الصدارة  بعناصره المترابطة بنظام متقن، ولكنه اليوم متآكل، متهالك وخاو بفعل الأمواج الصارمة للحداثة."وكما قال مالينوفسكي في  1923  "بين الشعوب (البدائية) الشفاهية تصبح اللغة بشكل عام أسلوبا للفعل وليس مجرد علامة مقابلة للفكر."وهي المادة التي اعتمدها أمباتي با في جميع كتاباته وجهوده في البحث والتصنيف  والتدوين والتحليل، وفي إيجاد القوانين والعمل بطريقة منهجية ضمن مؤسسات تتبنى وتدعم مشروعه الإنساني بأبعاده التاريخية الحضارية والعلمية والتربوية.

ينتمي أمادو أمباتي  با  لعائلة غنية من قبائل البول والتي تعرف بالعربية "فولاني" وتنتشر في العديد من البلدان من السودان إلى السنغال مرورا بموريتانيا وتشاد إلى مالي والكمرون وهم شعب من الرعاة ويشتهرون بتربية وتجارة الخيول، واعتمدوا  بداية الحرف العربي لكتابة لغتهم وساهموا في انتشار الديانة الإسلامية التي تدين بها غالبيتهم، وذلك في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وبعد دخول الاستعمار اعتمد الحرف اللاتيني في الكتابة، ولغتهم ما تزال ذات أهمية رغم تعرضها لتأثير اللغات الإقليمية في مختلف البلدان التي تنتشر فيها. وقد اختلف المؤرخون حول أصل البول  نظرا لانتشارهم على أراض شاسعة ومتباعدة من القارة، ويعرض مادهو بانيكار في كتابه( الثعبان والهلال )والذي نشر بالعربية بعنوان (الوثنية والإسلام – تاريخ الامبراطورية الزنجية في غرب أفريقيا ) لمختلف آراء الرحالة والمؤرخين في هذه المسألة منذ الإغريق والرومان مرورا بالعرب وحتى الأوروبيين قبل وبعد المرحلة الاستعمارية.  وترجح آخر النظريات وهي للبروفيسور موسى لام من جامعة شيخ انتا ديوب في دكار – السنغال –  بأنهم استوطنوا نتيجة الهجرة من مصر وأثيوبيا أي من الشرق الأفريقي في اتجاه الغرب على امتداد طريق الصحراء ثم الهجرة العكسية من الغرب إلى الشرق، وقد اعتمد في بحثه على أكثر من ثلاثة آلاف مرجع. علما بأن بعض المؤرخين سبق وقال بذلك ( انظر كتاب بانيكار المشار إليه أعلاه.)  بينما يشير أمباتي با في سيرته الذاتية إلى الحقبة التالية حيث إمبراطورية سوكوتو في إقليم نيجيريا والتي أقامها البول بزعامة عثمان دان فوديو في القرن الثامن عشر و إمبراطورية البول في ماسينا في إقليم مالي في بداية القرن العشرين بزعامة شيخو أمادو وكان مركزها على الدلتا الخصبة لنهر النيجر.

 

   مهندس النار وسيد الكلام :

ولد أمادو  أمباتي با في عام 1900 ميلادية، في مدينة باندياغارا العاصمة القديمة لإمبراطورية ماسينا وتقع في مالي .

كاتب، مؤرخ، اثنولوجي، شاعر وراوي للحكايات الشعبية. ويعد من المرجعيات المهمة في ثقافة البول والبامبارا وفي التقاليد الأفريقية لمنطقة غرب أفريقيا .

في عام 1942 اختاره العالم الفرنسي تيودور مونو للعمل كباحث في المعهد الفرنسي لأفريقيا السوداء – دكار، وكانت أولى مهماته القيام بأبحاث اثنولوجية وجمع التراث الشفهي، وقد كرس خمسة عشر عاما في البحث ودراسة امبراطورية ما سينا وكان من أوائل المثقفين الأفارقة الذين عملوا على جمع وتدوين وشرح ونشر كنوز الأدب الشفهي التقليدي لمنطقة غرب أفريقيا فجمع الحكايات الشعبية والقصص والحكايات الشعرية والأساطير والخرافات . وعن ذلك يقول " بدأت في تدوين ملاحظاتي المنهجية ابتداء من عام 1921 أثناء رحلتي الطويلة للالتحاق بوظيفتي الأولى في أوغادوغو في فولتا العليا ( بوركينا فاسو حاليا ) وفي عام 1951 حصل على منحة من اليونسكو حيث التقى بالعديد من المتخصصين في دراسة أفريقيا وثقافاتها ولاسيما مارسيل غريول .وفي  1960 وبعد استقلال مالي أسس معهد الدراسات الإنسانية في باماكو، ومثل بلاده في منظمة اليونسكو وفي  1962 انتخب عضوا في المجلس التنفيذي لليونسكو، ولفت أنظار العالم إلى ما يتعرض له التراث الشفهي في أفريقيا وضرورة صونه. وفي  1966 شارك في تأسيس النظام الموحد لكتابة اللغات الأفريقية .

وفي 1970 وبعد انتهاء مهمته في اليونسكو كرس وقته لدراسة التراث الغير مادي وخاصة الحكايات التقليدية التي أصدرها باللغة الفرنسية.وإلى جانب تدوينه للحكايات له مؤلفات في التاريخ ومقالات في الدين. وفي أواخر أيامه عكف على كتابة سيرته الذاتية والتي صدرت في جزأين باللغة الفرنسية.

توفي في مدينة أبيدجان عاصمة الكاميرون في  عام 1991، بعد أن أورث العالم مكتبة وأرشيفا لضمان حماية ما جمعه من كنز معرفي من المحرقة التي حذر منها مرارا. فهو القائل( في الكلام الشفهي جانب ينسبه الى النار، من أصغر شررها قد تولد فوضى جسيمة، كما عود الثقاب يمكن أن يخرج منه حريق يدمر قرية.) أو في مقولته الشهيرة في صدر هذا البحث .

 

الكلام واللحظة المناسبة :

في محاضرته ضمن مهرجان الفن الزنجي في داكار – السنغال – عام 1966، أوجز التصنيف التقليدي للكلام الشفهي وفق ثلاث مؤشرات أساسية:

أولا: على الكلام ألا ينطق قبل اللحظة المناسبة.

ثانيـا: على الكلام أن ينطق في اللحظة المناسبة.

ثالثا: على الكلام ألا ينطق أبدا بعد اللحظة المناسبة .

واتبع التحقيب الزمني الثلاثي في شرحه عملية تدوينه ودراسته للحكايات:

- من الطفولة الى عام 1921 وهي مرحلة السماع والحفظ للروايات والحكايات المسائية في الأوساط العائلية وكانت في الغالب تدور حول امبراطورية البول في ماسينا وكان الراوي غالبا ينتمي إلى عائلة أبيه .أما راوي سيرة الحاج عمر وأولاده وابن أخيه الملك تيجاني تال فراويتها ينتمي إلى عائلة والدته. إلى جانب  حفظه لما يمكننا تسميته بالحكايات المؤسسة أو حكايات التنشئة وهي الحكايات الشعبية الكبرى التي سيقوم بتدوينها ودراستها فيما بعد، وكان يسمعها من كبار الرواة الذين يترددون على منزل العائلة أو من أولئك الذين سعى إلى لقائهم.

- الفترة الثانية والتي أشرنا إليها سابقا تبدأ في عام 1921، وهي بداية التدوين والدراسة، فقد كان يدون في يومياته وبمنهجية باللغات الفرنسية والبول أو البامبارا ما يجمعه من معلومات بين مختلف الأعراق التي تسكن المناطق الحضرية ومراعي السافانا وعلى ضفاف الأنهار أثناء تنقلاته في فولتا العليا ( بوركينا فاسو حاليا )، وفي عام 1927 التقى (وانغرن) الشخصية الغرائبية والتي سبق والتقاها في طفولته ونتج عن اللقاء الثاني كتاب ذو قيمة أدبية عالية من ناحية السرد، وتميز بلغته الشفافة وعنه يقول الناقد النيجري أبيولا ايرلي في مقدمة الترجمة الانجليزية (أن هناك تماهيا بين (وانغرن) وشخصية أمباتي با من حيث تقارب المغامرة الوجودية لكليهما. )

- وبعد عودته إلى مالي عام 1933 أقام لبعض الوقت قريبا من معلمه الروحي تيرنو بوكار وأخذ عنه الدروس العميقة للطريقة التيجانية الصوفية والتي ستظهر في بعض كتاباته اللاحقة. وكرس أوقاته خارج عمله الرسمي في محافظة باماكو للبحث في أوساط البامبارا  من سكنة المنطقة وذلك بمساعدة الحاج بلي وآخرين من المراجع التاريخية في مالي. وبعد إمعان السلطات الفرنسية ممثلة في جهازي الشرطة والجهاز الإداري في مضايقته بسبب انتمائه إلى الطريقة الصوفية "احمالية "نسبة إلى الشيخ حماه الله وهو صوفي من أتباع التيجانية. نقل إلى مكتب المعهد الفرنسي لأفريقيا السوداء في داكار، حيث عمل مع البروفيسور والعالم تيودور مونو. وعن هذه الفترة يقول بأنها كانت بداية البحوث ذات المنهجية المحكمة وذلك بفضل ما وفره له أرشيف المعهد من مراجع ووثائق، خاصة وإنه عمل في قسم "الاثنولوجيا"، إضافة إلى رحلات البحث الميداني التي قام بها في أفريقيا الغربية الفرنسية سابقا وكذلك في نيجيريا وغانا

وكان لقاؤه في فيرلو شمال شرق السنغال  بأحد كبار المتصوفة والرواة أردو دمبو  مثمرا حيث درس ثم نشر فيما بعد بالتعاون مع جيرمين ديترلن عام 1961 وبالفرنسية أهم نصين أسطوريين لدى البول وهما كومن وتايانبا. وخلال الخمسة عشر عاما التالية عمل على دراسة وكتابة أول كتاب تاريخي مدون بلغة البول وتقاليدها الشفهية وهو كتاب " إمبراطورية البول في ماسينا"

 

مصادر الحكايات :

لم يستطع الباحثون تحديد المصدر التاريخي أو الجغرافي للحكاية الشعبية الأفريقية، وذلك بسبب ترحالها وتغيرها المستمر في الزمان والمكان كما يقول جان كلود رونو في كتابه "كلام الرواة" ( الحكاية عابرة للحدود وأهم المؤثرات التي منحتها أشكالها المتداولة هي: الزمن، الموانىء، الأسواق، استراحات المسافرين، القوافل، السفر، العبودية، الاستعمار والغزوات خلال آلاف السنين وهي التي صقلت اللغات والشعوب والتواريخ والأفكار. وساهمت اللغات العالمية في انتشار الحكاية فاللغة الآرامية كانت متداولة من مصر القديمة إلى الصين، والإغريقية في مساحات شاسعة من العالم. ) والحكاية الشعبية الأفريقية تصنف ضمن الأدب الشفهي الساعي إلى نقل قيم المجتمع ومعارفه وحكمته في أوساط المتلقين.

ويعد موريس دولافوس في طليعة  من نوه بالقيمة الأدبية للمرويات الشفهية في أفريقيا وتعبيرها عن روح القارة السوداء وقد نشر بحثه " الروح الزنجية  - ومقالة حول رواية العنكبوت عند الباوليه – " نشرت في مجلة "الاثنولوجيا والتقاليد الشعبية "عام 1920 .

يقول أمباتي  با"إن الحكاية رسالة من الأمس تروى اليوم من أجل الغد" وفي مقابلة له يحدد بعض العناصر الأساسية التي ساهمت في حفظ وانتقال الحكايات الشعبية الأفريقية عبر الزمن وأهمها أربعة:

1 -  الذاكرة الأفريقية: لدى أصحاب التقاليد  الشفهية والذين لا يعتمدون على الكتابة والتدوين، إخلاص، ودقة تكاد تتحول إلى موهبة، فمنذ الطفولة نتدرب على الملاحظة والاستماع، وكل حدث يدون في ذاكرتنا كما الحفر في الشمع البكر، كل شيء يخزن هناك: الديكور، الشخصيات، الكلام وحتى الملابس بأدق تفاصيلها . عندما أصف بذلة أول قائد عسكري من الحلقة التي شاهدتها عن قرب في طفولتي، مثلا لست بحاجة إلى "ذكرياتي" فأنا أراه على ما يشبه الشاشة الداخلية، ولا يبقى سوى وصف ما أشاهد، ولوصف مشهد ليس أمامي سوى أن أعيشه ثانية. وإذا ما نقل لي أحدهم قصة، فما تسجله ذاكرتي لا يقتصر على مضمون القصة فقط، ولكن المشهد بشموليته: الوضع الجسدي للراوي، ملابسه، حركاته، إشاراته الجسدية لنقل القصة، الأصوات المحيطة بالمشهد، مثلا صوت القيثارة التي يعزف عليها " "الغريو"  بينما يقوم "وانغرن" برواية سيرته علي. والتي أسمعها حتى الآن. عندما نعيد بناء الحدث يكر شريط الفيلم المسجل بكامله من البداية وحتى النهاية. ولهذا فمن الصعب على أفريقي من جيلي "التلخيص". فإما أن نروي الرواية بكاملها أو لا نرويها. لا نتعب أبدا من سماع وإعادة الاستماع إلى ذات القصة . فالتكرار لدينا ليس نقصا.

2 – التسلسل الزمني:  التسلسل الزمني ليس هما أساسيا لدى الراوية الأفريقي العام أو العائلي. فلم أستطع دائما التحديد الدقيق ولا بفارق سنة أو سنتين تاريخ أحداث الحكاية، سوى في حالة وقوع أحداث خارجية مشهورة تمكنني من موضعة الحكاية زمنيا. ففي السرد الأفريقي يعاش الماضي كتجربة حاضرة، خارج الزمن بشكل ما. وهناك أحيانا بعض الفوضى التي تضايق الروح الغربية ، ولكننا نجد أنفسنا فيها  بالتمام. وفيها نتقدم ببهجة كالأسماك في بحر تمتزج جزيئات مائه لتشكل وحدة حية .

3 – نطاق المرجع: عندما نتحدث عن " التقليد الأفريقي"  لا يجب التعميم . فليس هناك أفريقيا واحدة، ولا يوجد إنسان أفريقي، وليس هناك تقليد أفريقي صالح لكل الأقاليم والأعراق. بالتأكيد هناك ثوابت كبرى مشتركة ( حضور المقدس في كل شيء، العلاقة بين العالمين المرئي واللا مرئي، وبين الأحياء والأموات، الحس الجمعي، الاحترام الديني للأم.. وغير ذلك ) ولكن أيضا العديد من الاختلافات: الآلهة، الرموز المقدسة، المحرمات الدينية، العادات الاجتماعية الناتجة عنها تختلف من ديانة لأخرى ومن عرق لآخر وأحيانا من قرية إلى أخرى .ما أقصده هنا هو تقاليد (السافان) مناطق الرعي الأفريقية الممتدة من شرق إلى غرب جنوب الصحراء أو ما كان يعرف سابقا بالبافور، وبتحديد أكثر مراعي مالي، في أوساط البولو- توكولور والبامبارا حيث عشت.

4 – الأحلام والتنبؤات: مسألة أخرى تضايق الغربيين أحيانا في القصص الأفريقية هو التدخل المتكرر للأحلام المبشرة أو المنذرة، وكذلك التنبؤات وغيرها من الظواهر الشبيهة. ولكن الحياة الأفريقية نسجت بهذا النوع من الأحداث، والتي هي جزء من الحياة اليومية ولا تثير بتاتا دهشتنا، ولم يكن نادرا فيما مضى أن نرى رجلا يصل راجلا من قرية نائية، فقط ليفصح لشخص ما عن البلاغات أو التعليمات التي وصلته في الحلم بشأن هذا الشخص، ثم يعود أدراجه وبشكل طبيعي جدا، وذلك كساعي بريد جاء حاملا رسالة وببساطة إلى المرسل اليه. وتجاهل هذا النوع من الظواهر في معرض القصة سيكون عدم نزاهة من طرفي، لأنها شكلت ـ وما تزال وبدون شك، إلى حد ما ـ جزءا من واقعنا المعاش.

أما عن الحكاية الشعبية وتصنيفها، وظائفها ودورها في المجتمعات الأفريقية التقليدية فقد ضمنت الباحثة هيلين هكمان الوصية الأدبية ومسؤولة أرشيف امباتي  با كتابه "بوديل الصغير وحكايات أخرى"ا ملحقا  يشمل موجزا من أفكاره و تحليله لأبعاد حكاية (كيدارا ) والتي تلقي الضوء على تصنيفه للحكايات ووظائفها وتعدد مستويات تأويلها: ( فمنها ما هو للتسلية وما هو تعليمي تربوي حيث يكشف كبار السن عن أسرار معارفهم فيما يستغرق الشاب العديد من السنوات لاستيعابها. حيث لا يجب الاقتصار على حفظ الحكاية ولكن نقلها إلى الآخرين دون تحوير مضمونها. بالنسبة لحكايات التأسيس أو التنشئة (الحكايات التي تكرس لدخول المتلقي إلى طقس أو وضع اجتماعي أو انتقاله من مرحلة عمرية إلى أخرى ..) والغنية في رمزيتها، فهناك دائما في البداية مسار. والفرد يكمل مسيرته حتى النهاية ، وإذا استحق تلقي الأسرار ففي طريق عودته فقط سيمنح التفسير .هناك فترة للتعلم، وأخرى لاستيعاب التفسير، وثالثة ليمارس فيها الفرد بدوره تعليم الآخرين. ) وحكايات التنشئة  يمكن أن تتعدد قراءتها حسب المتلقي والراوي والوسط الذي تروى فيه: ( ففي التجمعات السرية، هناك حكايات مؤسسة كبرى محددة، فلكل تجمع حكاياته التي يؤقلمها لتناسب أتباعه. فالحكايات في مجتمع كوريه مثلا -  مدرسة تلقين فقهي تنتمي إلى البامبارا -  متناهية الطول وخلال دورة التدريب التي تبلغ السبع سنوات يتعلم الأتباع الدروس التي تحتويها الحكايات كما يرتل الطلبة الدروس في الصف .) وذات الحكايات الكبرى يمكن روايتها في الأوساط العائلية ، لتسلية الصغار والكبار، مع تغير فقط في تطور أحداثها وذلك لتتناسب وإدراك المتلقي، وكما يقول أمباتي با:(ليس لدينا من تعليم ابتدائي، تعليم عالي: هناك استيعاب ابتدائي و استيعاب عالي . فذات الدرس الذي يعطى لطفل ذي سبع سنوات يمكن إعطاؤه لعالم : فالأمر يتعلق بمعرفة كيفية عرضه، وما يجب وضعه في هذا المغلف ، فالمغلف واحد،  ففي أفريقيا حيث يفتقر إلى الكتاب يوجد التعليم في الحكايات ،الأمثال والأساطير. فليس هناك واحدة من الأهازيج سواء كانت للتسلية في ضوء القمر أو لهدهدة طفل ، تخلو من المعنى والهدف ، وقد مر معظم علماء الاثنولوجيا قرب هذا الجانب.)

ويستطرد في تحليله للدور التربوي للحكاية بقوله ( بالنسبة لنا كل شيء مدرسة، لا شيء يقتصر على التسلية ، سواء عن طريق الحكايات أو الغناء أو الحكي ، ليس في أفريقيا ما هو للتسلية فقط . وأستطيع القول بأن اللاديني ليس له من وجود في أفريقيا . ففي أفريقيا القديمة، ليس هناك ما هو لا ديني : فكل شيء ديني، وكل شيء له قصد ، وكل شيء له مرمى .) و يؤكد على أهمية التراث الشفهي لدراسة المجتمع الأفريقي القديم (إن دراسة أفريقيا بدون الأساطير والحكايات والخرافات التي تتضمن المعرفة القديمة كمن يدرس الإنسان من خلال هيكل عظمي مجرد من اللحم والأعصاب والدم .)

فالتقاليد الشفهية هي المدرسة الكبرى للحياة، وهي تتضمن جميع أوجهها .وقد تبدو فوضى بالنسبة لم لا ينفذ إلى سرها ومنحرفة عن الروح الديكارتية المعتادة على فصل الأصناف المحددة بدقة فائقة. ففيها لا ينفصل المادي عن الروحي.فبتنقلها بين الباطن والظاهر تتقن التقاليد الشفهية كيفية أن تكون في متناول إدراك الإنسان ، وأن تحدثه حسب مداركه وتدور بموجب قدراته . إنها في الوقت ذاته معتقد ديني ، معرفة، علم طبيعة، تعليم لمهنة ،تاريخ، تسلية ولهو .وكل نقطة في تفاصيلها تمكننا من الوصول دائما إلى وحدتها الجوهرية .) ويذهب إلى أن التعليم في أفريقيا ( لا يتم بطريقة منهجية كما في الغرب الحديث، بمعنى التدرج التصاعدي والموزع بدقة في الوقت. فهنا التعليم الابتدائي والمتوسط والعالي يعطى في ذات الوقت ، حسب الأحداث والظروف ، فبالنظر إلى حدث يحرض الأستاذ على استخلاص الدروس لطلابه ، بناء على وضع مداركهم والأمر هنا متعلق بتعليم عن طريق الرموز و الأمثال.)ويعطي مثالا على ذلك بحكاية "كيدارا" وهي من الحكايات المؤسسة حيث تشكل الرموز فيها وسيلة تعليمية :

( في هذه الحكاية ، ثلاثة أبطال يقومون برحلة أو في الغالب ببحث يهدف إلى تحقيق اكتشاف لكامل الذات وكشف لأسرار الأشياء والحياة. وبإمكان الإنسان الحياة بإحدى حالات ثلاث: حالة مبتذلة، خارجية في مجملها وتسمى لحاء، وحالة أكثر ألفة وتسمى خشب، وأخيرا حالة جوهرية مركزية تسمى قلب .

اثنان من أبطال الحكاية ، أحدهما يمثل اللحاء والآخر الخشب لن يستطيعا إكمال رحلتهما. فالأول سيرمى كما اللحاء والآخر يحرق كما الخشب. ثالثهم فقط وهو "حمادي " ويمثل القلب يصل إلى المرفأ المنشود. وذلك بعد تجاوزه منتصرا على العديد من الصعاب الملتوية التي زرعت على دربه. وفي النهاية لا يحظى برحلته فقط ولكن بنصيب رفيقيه الآخرين، حيث يسترجع اللحاء والخشب ويعيد تكوين  شجرة المعرفة في ذاته. فكل واحد من المسافرين الثلاثة يرمز إلى حالة من كينونتنا الشاملة ." إنهم مسافرون في عالم سفلي " أي عالم دلالات يحجبها ظاهر الأشياء، عالم رموز حيث لكل شيء دلالته، وكل شيء يتحدث لمن يجيد الإصغاء ، وفي أثناء هذه الرحلة يلتقون بأحداث وحيوانات يشكل كل واحد منها رمزا عليهم تأويله . وهكذا ففي الرحلة سبع محطات قبل بلوغ قلب "بلاد كيدارا، موطن انبثاق قوى الحياة .

ويرى امباتي با بأن المستويات المتعددة لتأويل الحكاية يمكن تطبيقها على أي ظرف من الحياة لاستخلاص الدروس منه. ويرى أنه لبعض الحكايات إحدى وعشرون درجة من المعاني. فلحكاية تروى دائما في الحاضر ويجسد راويها " الراوي الأول"، وكما يتماهى الراوي مع شخصية الحكاية ، فعلى المتلقي أن يعيش الحكاية في حياته الواقعية... فأنت تسمع الحكاية منذ عمر السابعة، وأنت تستمع باستمرار إلى الحكايات وهي تروى، تروى وتروى..... ثم يليها المعلم بدروس في التطبيقات والتفسير لتتمكن من أن تحيا الحكاية .  فعلى سبيل المثال ، إذا تعرضت لطارئ ما ، يقال لك : لماذا لم تتصرف مثل "حمادي" في حكاية كيدارا ، أو سيلي ساديو في "كومن" فالحكاية نموذج مرشد إلى كيفية التصرف في الحياة ، سواء في الحياة العادية أو الحياة الروحية. وعند تعرضنا لمصاعب في الحياة ، يجب أن نحاول معرفة المرحلة الرمزية من "كيدارا" التي نقف أمامها . وعن سؤاله إلى أي مستوى من الذات تتوجه مثل هذه الحكاية ؟ يجيب بأنها تتوجه إلى ذاتنا العليا والسفلى في الوقت نفسه. فالمسألة هي أن نعرف في أية "لحظة" نوجد لاستيعاب الحكاية.

ونظريا كما تقول ليليان كيستلوت الباحثة المتخصصة في الأدب الأفريقي في مركز الأبحاث بجامعة داكار في السنغال في تحليلها لحكاية"كيدارا" " كل فرد ، سواء فتاة أو صبي من المجموعة بإمكانه صعود درجات التعلم حسب الوقت والذكاء الذي يكرسه لتعلم الحكاية. ومن الطبيعي أن تتم عملية اختيار بينهم ، فبين عشرة مريدين يتمكن واحد أو اثنان من استيعاب مجموعة من التصورات التي تزداد إبهاما والتي تتطلب من المتعلم حفظها في الذاكرة واستخدامها. فهذا التعليم الحكائي المصور لا يخلو من صعوبات.   فالمعلم يتحدث كثيرا بالصور، ولكنه نوع من التفكر لا يقل دقة عن ما نستخدم من مفاهيم مجردة. فكل صورة تنطوي على رمز ، وخلف الرمز تكمن فكرة غالبا ما تكون معقدة. "

و يرى الأكاديمي زرغبي غبايورو في أطروحته الجامعية (الثقافة الشفهية والتعليم - دراسة في وظيفة الحكايات والأساطير في غرب أفريقيا – 1983. جامعة ليون الثانية. فرنسا)  أن الذاكرة تحفظ الملامح العامة والبيانية، هياكل البنية. أما الخيال فيغير ويضخم ، مستوعبا، مطعما أو متخليا عن تفاصيل أو مظاهر القصة. فبدايتها ونهايتها أكثر المواقع عرضة للتحوير في الأدب الشفهي.والحكاية تكشف أحيانا معلومات تاريخية ، إثنية، إنها وثيقة حية، شاهدة على التقاليد والأفكار والعقليات.

ولهذا فللحكايات والأساطير وظيفة وهي اندماج الفرد في مجموعته، وهي كباقي الأشكال الأدبية محاولة لتفسير العالم، وهي بذور متناهية الصغر نغرسها في روح الطفولة، فتنمو قليلا قليلا ، وتكبر حتى تصبح أدغالا غازية. إنها تقوم بدور نموذج للتواصل الاعتيادي للأفكار، ويقول ليوبولد سيدار سنغور: كل لغة ليست ذات حبكة حكائية تصيب بالملل أو تكون غير مفهومة.

وأما جي-كالام – غريول  فترى بأن "الحكايات نوع من القالب المفضل والذي نجد فيه منصهرة جميع عناصر الثقافة . " وفي هذه الحالة فالحكايات والأساطير جزء لا يتجزأ من التعليم التقليدي أو الأعراف التقليدية في غرب أفريقيا. ويصنف غبايورو الحكايات حسب موضوعاتها: الحكاية الأخلاقية، الحكاية الفلسفية، الحكاية الباطنية، حكاية الأسباب المرضية، حكاية التسلية، الحكاية  الساخرة أو الفكاهية. ومن خلال قراءة امباتي با واستنتاجاته يمكننا إضافة بعض النقاط التفصيلية عن الحكاية الشعبية الأفريقية من حيث البنية والمؤدي والمتلقي وظروف الأداء:

 

شخصيات الحكاية الشعبية الأفريقية :

متعددة بين الإنسان والحيوان والعناصر المختلفة للطبيعة والأرواح والجن والآلهة والكائنات الخيالية النصف بشرية والنصف حيوانية كحوريات البحر مثلا. وتقول أوديل بورن بأنه " رغم تعددها واختلافها إلا أنها تتفاهم فيما بينها"، ومن الشخصيات التي نجد جوانب مختلفة لها في الحكايات الأفريقية الأطفال " الطفل الملاك، الطفل الشيطان، التوأم ( يقدس في بعض المجتمعات الأفريقية القديمة) أما الطفل اليتيم فهو الأكثر حضورا في الحكايات. ونجد هذه الشخصيات وسواها في الحكايات المختلفة التي جمعها ودرسها امباتي با. وحتى في سيرته الذاتية أو مذكراته يلتقي القارئ بالعديد منها، وكأنها  تشارك الكاتب في تكوين وصياغة حياته الواقعية ومخيلته منذ طفولته وحتى لحظة كتابته لسيرته في شيخوخته.

 

لمن تروى الحكاية ومن الراوي ؟

كان الجمهور المتلقي للحكايات الشعبية في المجتمعات الأفريقية التقليدية يتكون من مختلف  الأعمار، ومع اختلاف درجة استيعاب كل فرد منهم،  يتحلقون حول الراوي في ساعات المساء خاصة. حيث يواجههم في نصف دائرة  ليتمكن الجميع من رؤيته بوضوح وسماع صوته بانتباه. ويستطيع هو أيضا رؤيتهم، والراوي أو الراوية (قد يكون امرأة ) متعدد الوظائف: فهو ممثل وشاعر وراقص ومغن، وهو بحاجة إلى توظيف ذلك في أدائه لإغناء الحكاية وإيصال دلالاتها للمتلقي.

قد يكون الراوي أحد كبار العائلة أو القبيلة كالجد أو الجدة . أما الراوي العام ففي الغالب من الغريو، وهم ذو شهرة في هذا المجال . حيث يعتبرون سجلا لتاريخ العائلات والقبائل والأحداث التاريخية والكوارث الطبيعية ويسميهم  البول في مالي " أسياد الكلام". يقول عنهم امباتي با  بأنهم طبقة خاصة جدا من "نياماكالاو" - وهي فئة الحرفيين من خزافين وحدادين ومصنعي الجلود ، وهي فئة تمارس مهن فنية وتستمد قوتها الروحية والسحرية من المواد التي تتعامل معها مثل المعادن والحديد والنار وجلود الحيوانات والطين، وهم كما يقول ( فئة خاصة من "المنشطين الاجتماعيين" أو (جيليو) كما يسميهم البامبارا، ويمكننا أن نميز بينهم من جهة الموسيقيين والراقصين والرواة، ومن جهة أخرى، السفراء أو المبعوثين المكلفين بنقل الرسائل بين العائلات الكبيرة. ثم يأتي النسابون والمؤرخون، إن الغريو لا يدخلون ضمن طقوس التنشئة أو التأسيس الفئوية، رغم أنهم وبشكل فردي قد  ينتمي بعضهم إلى جمعيات محددة . وهذا لا يمنع من انتمائهم إلى فئة " نياماكالاو" لأنهم في الواقع يتحكمون في واحدة من أكبر القوى الفاعلة والمؤثرة على النفس البشرية: الكلام، ففي الوقت الذي تقيد وتعيق التقاليد بدرجة كبيرة حركة وكلام النبلاء، يتمتع الغريو في ذات المجالين بحقوق كاملة، فيتحولون إلى لسان النبلاء الناطق،  ووسطائهم، ومن هنا برز دورهم الخاص في المجتمع.)

 

فن الرواية :

يقول جان كلود رونو  في كنابه " كلام الراوي " : إن أولى أدوات الراوي هي ذاته، لا أقول صوته فقط، ولكن شخصيته، جسده، مدى اللذة التي يشعرها حين يروي "

وهناك قدرات على الراوي أن يتمتع بها أو يدرب نفسه عليها ويتقنها لينجح في مهمته وأهمها :

- الفصاحة والتعبير ببلاغة بحيث يقنع جمهور المتلقين برسالة حكايته ودلالاتها.

- التمتع بذاكرة يقظة ونشطة قادرة على حفظ واستعادة الحكايات والمرويات أيا كان مصدرها من داخل المجتمع المحلي أو تلك التي ينقلها رواة أجانب أو جوالون، وقد يكون عمرها قد تجاوز القرون .

- على الراوي أن يتحلى بروح المرح بحيث يتمكن من تسلية جمهور المستمعين في اللحظة المناسبة وتكون الحكاية ذات خفة تمكن من استيعابها .

- الخيال وهو العنصر الذي تكرر في دراسة  امباتي با وسيرته الذاتية.

- الثقافة التقليدية التي يستقيها من مصدر أساسي وهم كبار السن وحكماء المجتمع القبلي بمفهوم عصره.

-  يكون حاذقا سريع البديهة وذكيا، وذلك للإجابة على استفسارات مستمعيه بردود واضحة وبينة في نهاية كل حكاية.

- أن يتقن استمرارية جذوة السرد في الحكاية، ويثير شغف واهتمام  المتلقي حتى لا يقع في الملل وتفقد الحكاية هدفها التعليمي من خلال الترفيه.

 

مواضيع الحكاية الشعبية الأفريقية وبنيتها :

تتعدد مواضيع الحكايات، ويغلب عليها الطابع الأخلاقي، وهي تطرح كل المواضيع ذات الصلة بالواقع الاجتماعي والحياة اليومية: من الكون الخارجي بكواكبه إلى الفصول إلى المرويات والأقوال المأثورة، الخصوبة، العقم، الموت طقوس التنشئة، الثراء والفقر وغيرها. ويقترب بعضها من حيث المحتوى من الأساطير.

وغالبا ما يكون للحكاية مقدمة أو مدخل يمهد من خلاله الراوي لشد انتباه مستمعيه. وتختلف العبارة التمهيدية من بلد إلى آخر. ومن قبيلة إلى أخرى. يلي المقدمة سرد الحكاية ، ثم تنتهي بالعبارة الختامية، والتي غالبا ما تهدف إلى نقل الحكاية إلى المستمعين أو إلى التمهيد لربطها بالحكايات التالية بعدها. وعادة ما ينهي الراوي الحكاية بالحكمة أو المغزى الأخلاقي لها.

أما فرانسوا نسوغان فيقارن الحكاية بالعرض المسرحي من حيث البنية، والتي يقسمها إلى خمسة أجزاء وحركات فالمدخل التمهيدي للحكاية ما هو سوى "الضربات الثلاث" لإعلان بدء العرض المسرحي. وما العبارة التمهيدية في الحكاية سوى إعلان البداية لوضع علاقة حية بين الراوي وجمهوره. يلي ذلك تقديم الشخصيات والتعريف بها وأحيانا يقوم الراوي بوصفها وتحديد وضعها الاجتماعي أو التاريخي في الحكاية. ثم يبدأ الراوي في سرد الحكاية والتي تتضمن أحيانا أغاني موجزة  وذات تعبير عاطفي متأجج، يزيدها ضراوة مشاركة جمهور المستمعين. وينقسم الختام إلى قسمين: نهاية منطقية تبين نهاية الحكاية. وقسم أخلاقي تلخصه عبارة النهاية والتي يشبهها نسوغان بإسدال الستار في نهاية العرض المسرحي.

مورفولوجيا الحكاية  الأفريقية :

تصنف دينيس بولم الحكاية  من حيث البنية الشكلية وعلى خطى فلاديمير بروب و ألن ديوندز- وذلك في كتابها القيم (الأم المفترسة، مقال حول مورفولوجيا الحكايات الأفريقية ) والصادر بالفرنسية عام 1976 – الحكايات الأفريقية السبعة التي اختارت دراستها و تنتمي إلى عدة بلدان أفريقية مختلفة إلى سبعة أنساق سردية :

1 – النسق التصاعدي "  الفقدان – التحسن – الرضا ."

2 – النسق التنازلي "  الحالة الطبيعية - الانتكاس - الفقدان . "

3 – النسق الدائري " من حالة معينة إلى أخرى عودة إلى الحالة الأولى."

4 – النسق الحلزوني ( اللولبي )" حركات متكررة من النسق الدائري"

5 – نسق المرآة " حركتان متوازيتان لشخصيتين متناقضتين " مثال : شخصية الشرير والطيب أمام موقف معين واحد يخرجان منه بنتائج مختلفة جذريا .

6 – نسق الساعة الرملية " تداخل بين الحركات مع تبادل الشخصيات والأدوار ، يختلف عن نسق المرآة            

     من حيث انطلاق الشخصيتين المتناقضتين من موقفين مختلفين ."

7 – النسق المركب " مزيج من عدة أنساق ، تختلط فيه أنواع السرد وتتداخل القصص كما في حكايات ألف ليلة وليلة.  

 

لغة الحكاية :

تختلف لغة الحكاية عن اللغة المحكية حتى أن البعض يعتبرها لغة مقدسة ، فلدى البول مثلا تتميز لغة الحكاية بنقائها وخلوها من التعبيرات والكلمات المستقاة من اللغة العربية، والتي تعج بها لغة الحديث اليومي. وهي لغة ذات تتصف بالانطباعية، ومفرداتها غنية بالكلمات المعبرة، وخاصة بالأفعال. ولضرورات الإيجاز في أسلوب النص الشفهي يكثر في اللغة التلميح، وتستخدم القليل من الكلمات للتعبير عن الكثير من المعاني. ويلعب تلوين الصوت لدى الراوي والتقليد واستخدام الرموز دورا هاما في الإيجاز وهي لغة موسيقية مما يساعد على حفظها . كما قد يصاحب الرواية إيقاعات  عزف حي من أدوات موسيقية تقليدية. ولا تكتفي لغة الحكاية بموسيقاها الداخلية أو المصاحبة ولكنها تصبح جزءا من روحها التعبيرية، كما أن قسطا من التعبيرات العاطفية يتم نقلها إلى الجمهور عن طريق لغة الجسد لدى الراوي وحركاته وتعابير وجهه.

 

الحكاية بين الشفاهية والكتابية :

شغلت مسألة العلاقة بين الشفهي ( أو نصوص ما قبل الكتابة ) والنص المكتوب العديد من المفكرين والنقاد، فمنذ بداية القرن العشرين انطلقت الدراسات التحليلية والنقدية وكان  محورها "المسألة الهومرية" حيث تساءل الباحثون عن مصدر ملحمتي "الإلياذة" و"الأوديسة " لهوميروس وعلاقتهما بالنص الإغريقي المكتوب الذي وصلنا . وقد تعددت الدراسات الفيلولوجية والأنثروبولوجية منذ ميلمان باري .

ولأن الحكاية الشعبية الأفريقية والتراث اللامادي عموما كان شفهيا، فقد تنبه أمباتي با مبكرا لهذه العلاقة الإشكالية بين الشفهي والمكتوب ، فحين غامر بكتابة الحكاية وخاصة حكايات التنشئة والمعروفة باقتصار روايتها على المعلمين وبسرية في حدود طقوس التنشئة أو التأسيس، ونقلها من أفواه الرواة إلى الورق، وهنا تكمن المشكلة لدى بعض الباحثين  في التساؤل عن مدى الثقة في الشفهي مقارنة بالكتابي ، وفي رأيه بأنه من الخطأ طرح المشكلة بهذه الصيغة، فالشهادة سواء شفهية أو مكتوبة هي في النهاية شهادة إنسانية وقيمتها من قيمة الإنسان. وما يمكن مساءلته هو ما وراء هذه الشهادة، إذن هي قيمة السلسلة  التي يرتبط بها الإنسان، أمانة الذاكرة الفردية والجمعية، والقيمة المرتبطة بالحقيقة في مجتمع ما. بكلمة واحدة، العلاقة بين الإنسان والكلام . ويرجع الأهمية البالغة لتناقل الشفهي في المجتمع الإفريقي القديم إلى عناصر القدسية والسحر، وليس لكونه وسيلة التعبير الوحيدة المتداولة حينها .

وكما يقول جان كلود رونو فالحكاية ( تتماهى ولغة راويها، تخاطب خيال الناس وتخصبه.الحكاية كالطائر تجهل الحدود .)

 ومن حرصه على أمانة ودقة نقل الحكاية من الشفهي إلى النص المكتوب  جمع  أمباتي با  الحكايات بإحدى اللغتين الأصليتين ( البول أو البامبارا ) كما نشر بعضها - بعد أن ترجمها - بلغتين لغتها الأصلية واللغة الفرنسية. وقد اعتبر بعض الانثروبولوجيين والنقاد الأفارقة مثل ايمانويل سوكور و جان باتيست مارتن ونادين دوكور عمل أمباتي با خلقا أدبيا كما تقول ايمانويل سوكور  فهو ( يضعنا أمام إبداع حقيقي لكتابة الحكاية، والتي تبقى جوهريا مادة علمية متجانسة، وكما في إجابات ليليان كيستلوت على ماريز كونديه في مجلة البحث البيداغوجي والثقافة – 1982 – حيث تقر بأنها في تقديمها وكتابة ملاحظاتها ساهمت في انجاز ديباجة لغوية وتعليقات إيضاحية حول "كيدارا"، باختصار تقول  إن ذلك (من الصلصة العلمية التي تصاحب هذه القطعة الجميلة من اللحم ) وهناك العديد من الاعتراضات التي غالبا ما تبدى بصدد هذا الشكل من كتابة الحكايات، وهذه بعض منها: حتى إذا لجأ الكاتب إلى إعادة خلق حكاياته، كما يفعل الراوي التقليدي، وذلك بتحويلها إلى نص مكتوب، فإنه بذلك يختار مبادىء السرد للنص المكتوب. وهنا ينتهي وجود النص الشفهي مخلفا المجال للنص المكتوب والذي يحاول قدر المستطاع الأخذ في الاعتبار بالعناصر المحيطة بالسرد في مخطط الإيضاح الشفهي. ومن هنا تتطلب الكتابة طريقة جديدة في تقديم وتفهم الواقع . فظروف النقل تغير جوهريا المفهوم التقليدي للسرد ، أما النص المكتوب فلا يمكننا حينها  اعتباره كمصدر صالح للدراسة والتقصي.)

وكما لدى امباتي با فإن ترجمة الحكاية إلى لغة أخرى بهدف تقديمها إلى ثقافة أخرى كما تقول سوكور هي ( ترجمة مزدوجة من لغة الرواية  الأصلية الشفهية إلى الكتابة ومن هذه إلى اللغة الفرنسية ، وبهذا المعنى فإن ما حققه أمباتي با، بتنقله بين ثقافة وأخرى ومن طريقة اتصال إلى أخرى، تبدو بأنها تضيف معطيات مقلقة لأصالة الحكاية .)

أما أمباتي با فيؤكد في تحليله للحكايات على ربطها بالواقع فهو يقول بأن ( الحداد يصوغ الكلام والنساج ينسجه والإسكافي يملسه بصقله، كما يقال في أفريقيا )

 

ملاحظات ومراجع

مؤلفات أمادو أمباتي با :

اقتصرنا  فيما يلي على الحكايات والمؤلفات المتعلقة بتحليلها والمذكورة في البحث فقط أما مؤلفاته الأخرى وأرشيفه فيمكن الرجوع إليه على شبكة الإنترنت .

L'Empire peul du Macina (1955 )

Vie et enseignement de Tierno Bokar, le sage de Bandiagara (1957(

Kaïdara, récit initiatique peul (1969)

Aspect de la civilisation africaine (1972)L'Étrange Destin de Wangrin (1973)

L’Éclat de la grande étoile (1974)

Petit Bodiel (conte peul) et version en prose de Kaïdara (1976)

Njeddo Dewal mère de la calamité (1985(

Ce que vaut la poussière, contes et récits du Mali (1987)

Amkoullel l’enfant peul (Mémoires I, 1991) et Oui mon commandant ! (Mémoires II, 1994)

Il n' y a pas de petite querelle (2000(

Contes des sages d'Afrique   -Seuil – 2004

Contes initiatiques peuls - 1993     

ملاحظات   :

أسماء  وردت في البحث :

1: البول   ( Peul) : اسم يطلق على القبيلة الأفريقية والتي تعرف بالعربية بالفولاني أو الفلانه وكذلك على لغتها .

2: تيودور مونو  (Théodore André Monod ) : 1902 – 2000 –:عالم طبيعة موسوعي  فرنسي، أحد أهم المراجع العلمية في الصحراء الأفريقية ، تجاوزت مؤلفاته 1200 كتابا .

3: البامبارا   ( Bambara ):  لغة مالي الوطنية، تنتشر بلهجات وفروع  في غرب أفريقيا . كما تطلق التسمية على شعب البامبارا وهم من العرق الماندي الأفريقي .  

4: مارسيل غريول   ( Marcel Griaule ) – 1898 - 1956  :  اثنولوجي فرنسي اشتهر بدراساته عن قبائل الدوغون .

5: حكايات التنشئة أوالتأسيس ( Contes Initiatiques) : التي تهدف إلى تحقيق الانتقال من مرحلة الطفولة إلى البلوغ، أوتلك المتعلقة بتعليم المهن لناشئة الحرفيين أوالمصاحبة لطقوس الختان، وتقتصر روايتها على كبار الرواة والحرفيين.

6: وانغرن  ( Wangrin) بطل رواية أمباتي با " المصير الغريب لوانغرن " ويقول عنه الكاتب بأنه شخصية حقيقية التقاها، والرواية غنية من حيث العمق الإنساني للشخصية وتعبيرها عن مرحلة مهمة من تاريخ أفريقيا .

7: تيرنو  بوكار (Tierno Bokar) – 1875 – 1939 - : مالي ، من كبار المتصوفة الأفارقة ، مؤسس زاوية ، ينتمي إلى الطريقة التيجانية ،يعده أمباتي با أستاذه ، كتب عنه مؤلفا يعد مرجعا .

8: موريس دو لافوس  (Maurice Delafosse ) 1870 – 1928 - : اثنولوجي ولغوي فرنسي يعد أول من نشر الحكايات الأفريقية بالفرنسية .

الغريو (Griot ) : طبقة الرواة المغنين في غرب أفريقيا، لعبت دورا أساسيا في نقل الحكايات والأحداث التاريخية قبل القرن العشرين .

9: دينيس بولم (Denise Paulme ) - 1909 - 1928 - : انثروبولوجية فرنسية متخصصة في دراسة المجتمعات الأفريقية، لها دراسات هامة في الحكايات الأفريقية وتأويلها .

10: فلاديمير بروب (Vladimir Iakovlevitch Propp) – 1895 – 1970 - : عالم فولكلور روسي ، ينتمي إلى البنيوية ، درس بنية الحكايات الشعبية الروسية، أصبح مرجعا فيما ابتكره من منهج تبناه العديد من الدارسين بعده.

11: ألن ديوندز (Alan Dundes) – 1934 – 2005 : عالم فولكلور وأكاديمي أمريكي ، أول من أدخل دراسة الفولكلور في الجامعات الأمريكية، له دراسات هامة في مورفولوجيا الحكايات الشعبية للهنود الحمر في أمريكا الشمالية .

12: ميلمان باري (Milman Parry) – 1902 – 1935: أكاديمي أمريكي ، له دراسات هامة في الملاحم الشعرية ، يعد مؤسس فرع دراسات النصوص الشفهية .

المراجع

الكتب  :

1: Contes Initiatiques Peuls - Amadou Hampâté  Bâ  - éd.Stock -2006

2: Petit Bodiel et autres contes de la savane – A.H.Bâ - éd. Stock – 2007

3: Il n’y a pas de petite querelle –A.H.Bâ – éd. Stock – 2006

4: Amkoullel , l’enfant peul (Mémoires) – A.H.Bâ – éd.Actes Sud - 2007

5: Amadou Hampâté  Bâ  homme de science et de sagesse Mélanges  pour le centième anniversaire de sa naissance Nouvelles  Éditions Maliennes – KARTHALA  - 2005

6: Littérature  Orale Paroles Vivantes  Et Mouvantes

CREA (Centre de Recherches et d’études Anthropologiques

 Textes réunis par jean-Patiste Martin et présentés par Nadine Decourt

Presses Universitaires de Lyon – 2003

7: Paroles de Conteur – Jean –Claude  Renoux –EDISUD- 1999

8: Littératures Orales Africaines  - Perspectives théoriques et           méthodologiques -  sous la direction de Ursula Baumgardt et Jean Derive Karthala – 2008

9: African Oral Literature – Isidore Okpewho – Indiana University Press - 1992         

10: Approches  littéraires de L’oralité africaine - sous la direction de: Ursula Baumgardt et  Françoise Ugochukwu - Karthala – 2005

11: Critique de la raison orale – Mamoussé  Diagne –Karthala -2005

12: Culture Orale et Education – étude fonctionnelle des contes et légendes de l’Afrique de l’ouest  - Zeregbe, Gbayoro - Avanzini, Guy (dir.) - 1983- Thèse de 3ème cycle en Littérature - (Lyon 2. UER IPSE Sciences de l'éducation )

13: Grand  Dictionnaire  Encyclopedique  Larousse – 1984

المجلات :

- Le Courrier de l’Unesco :

1: A la recherché d’une identité culturelle – Février 1976

2: L’Afrique et son Histoire – Août- Septembre 1979

3: La Nostalgie des Origines – Septembre  - 1993

المراجع العربية :

1: الشفاهية والكتابية – والترج.أونج – سلسلة عالم المعرفة – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – فبراير 1994

2: الوثنية والإسلام – تاريخ الإمبراطورية الزنجية في غرب إفريقية – ك.مادهو بانيكار – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة - 1998

3: قاموس اللسانيات – عبد السلام المسدي -  الدار العربية للكتاب  -بيروت – 1984

المواقع الإلكترونية :

http://fr.wikipedia.org

http://www.moncelon.com/ThMonod.htm

http://etudesafricaines.revues.org/184

http://www.webpulaaku.net/defte/ahb

أعداد المجلة