حماية التنوع الإحيائي في مجال الثقافة
العدد 22 - التصدير

بقدر ما ينتج واقع العالم المعاصر بما يشهده من ثورات عميقة في مجالات تمس حياة الإنسان المادية والرمزية كمجالات المعلومات واقتصاد المعرفة وغيرها، تقليصا مطردا للمسافات بين المجتمعات وشعوبها، ومن ثمة ميلا قويا إلى هيمنة نمط ثقافي وحضاري معين وتهميش باقي الأنماط، بقدر ما تزداد الحاجة الملحة إلى العمل على مقاومة التنميط الثقافي الأحادي وحماية التنوع الإحيائي (البيولوجي) الطبيعي في مجال الوجود الثقافي كما في مجالات غيره.
بل إن الأمر في هذا المجال أعظم شأنا وأشد خطورة لارتباطه الأوثق بكينونة الإنسان الحضارية، بل بجوهر إنسانيته باعتباره كائنا ثقافيا.
إن الإنسان كائن واحد ومتعدد في نفس الآن: واحد ببنية نوعه الإحيائية الأساسية وهندستها الإدراكية المعرفية، ومتعدد باختلاف ثقافاته. فهي إذن كينونة ذات بعدين لكنها كينونة طبيعية متسقة قائمة على صلة عضوية جوهرية بين بعديها. ذلك أن البنية الإحيائية الأساسية، من جهتها، هي التي تحدد إمكان الثقافة لدى الإنسان وترسم كيفيات الاختلاف الثقافي بين البشر، فلا يكون اختلافا اعتباطيا رغم كونه لا متناهي التلونات والتفاصيل. هكذا قد تختلف ثقافات الشعوب وتتنوع، لكن ذلك لا يتم إلا بكيفيات مخصوصة وداخل أطر هندسية معرفية معينة دون غيرها، كمظاهر العيش في أنساق قرابة وإبداع لغات وإنتاج موسيقى وأشعار وحكايات وتصميم رقصات، الخ.
والاختلاف الثقافي، من جهته، هو الذي يجلي، بكيفياته المخصوصة المذكورة، بنية النوع الإحيائية الأساسية ويحقق إمكانات هندستها المعرفية الماضية والحاضرة والمستقبلية.
بهذا تكون العناية بثقافة الشعوب وإبراز أصالتها وتميزها، حماية لإنسانية الإنسان أينما كان ومقاومة لإفقاره ودفاعا عن غناه.