صورة الغلاف الأمامي - ليلة الحناء . . موروث العادات ووحي الأساطير
العدد 26 - لوحة الغلاف
ارتبطت الحناء بجملة من العادات والطقوس في حياة الشعوب، وهم في ممارستها لا يدركون منشأها وما تحمله هذه النبتة من دلالات ورموز تتداخل فيها الطقوس السحرية مع عوالم الأساطير بالإضافة إلى التعاليم الدينية، مما أعطى تلك النبتة مكانة خاصة تصل إلى حد القداسة في ثقافات بعض الشعوب.
وتعتبر الحناء شجرة مباركة خاصة بالنسبة للمسلمين، وهي شجرة معمرة تحمل أزهاراً بيضاء صغيرة، ذات رائحة عطرية قوية ومميزة. ويعتقد أن موطنها الأصلي بلاد فارس، وتنمو في المناطق الاستوائية الحارة والرطبة. ومنذ القدم استعملها الفراعنة في أغراض شتى منها التجميل وتخضيب الأيدي والأقدام وصبغ الشعر والتحنيط واستخراج العطور.
كما استعملت عجينة الحناء في الطب النبوي والشعبي، لمداواة بعض ما يصيب الأيدي والأرجل من أمراض جلدية وفطرية، ولالتئام الجروح، وللحمايةً من حرارة الشمس، كما أنها تنقي فروة الرأس من القشرة، وتستخدم كذلك لعلاج الصداع والشقيقة.
وتلازم الحناء النساء في أغلب المناسبات وبالذات ما يرتبط بالأفراح والأعياد، وتعد طقوس «ليلة الحناء» التي تسبق يوم الزفاف، أحد أهم العادات الشعبية التي ما تزال النساء يمارسنها في الشرق، وتتعدى هذه المناسبة في رمزيتها من عادة جمالية تقوم بها النساء للتزين بالنقوش الجميلة، إلى ممارسة طقوسية لها جذورها الأسطورية الممتدة عبر غياهب التاريخ السحيق.
وتعود «ليلة الحناء» الى الأسطورة الفرعونية في زمن «إيزيس» و»أوزوريس». حيث عمد إله الشر «ست» الى قتل «أوزوريس» طمعاً في الملك وغيرة منه. فلم تستسلم «إيزيس» وتمكنت من جمع أشلاء زوجها بعد أن مزقها «ست» إلى 42 قطعة ووزعها على أقاليم مصر. وكانت كلما جمعت قطعة من جسده امتلأت يدها بالدماء حتى اصطبغت يداها تماماً باللون الاحمر. فاعتبر ذلك رمزاً لوفاء الزوجة وحبها الأبدي، وحرصت الفتيات المصريات حتى يومنا هذا على تخضيب الأيادي قبل الزفاف في «ليلة الحناء» على أنغام الأغنية الفولكلورية «يا حنة يا حنة.. يا قطر الندى»، حيث تعد هذه الليلة أحد أهم طقوس الزفاف المصرية.
وارتبطت الحناء منذ القدم بعالم السحر، ومحاولة استرضاء قوى الطبيعة بتقديم القرابين للنذور، مع تخضيبها بالحناء أو صبغها بالدماء، وللون الأحمر والأسود رمزيته أيضاً وارتباطه بالعالم السفلي والجن.
وهذا ما تذهب إليه أسطورة أخرى في المغرب، تقتضي بضرورة وضع العروس للحناء قبل ذهابها للاغتسال من أجل نيل رضا بنت ملك الجان، والتي تحرس الحمامات العمومية التي ترتادها النسوة باستمرار، كما يجمر البخور قبل دخول العروس وأهلها لقاعات الاغتسال.
وتعتقد بعض النساء بالمفعول السحري للحناء، فيعمد أهل العروس إلى إخفاء الإناء الذي يحوي بقايا الحناء، كي لا يقع في أيد خبيثة حاسدة فتستعمله في السحر وإلحاق الضرر بالعروسين.
وفي شبه الجزيرة العربية تتشابه الطقوس إلى حد كبير، فترتدي العروس ثوباً أخضر مطرزاً بالخيوط الذهبية، وتتزين بالذهب والحلي، وتجلس على كنبة خضراء تسمى (دوشق)، وتمد قدميها على وسادة، لتقوم «الحناية» بنقش الحناء على كفي العروس وقدميها، وسط أهازيج وأناشيد شعبية تراثية تغنت بها جداتنا وأمهاتنا في الزمن القديم ومازلنا نرددها حتى يومنا هذا:
حـنـــاج عيـيـن يــا بـنـيـة حـنــاج عــيــيـن
لـي دزوج عـلـى المـعرس بــالـج تـسـتـحـيـن
يبقى التخضيب والتزين بالحناء من عاداتنا الموروثة والراسخة في مجتمعنا الشرقي، حيث يعتبر التخلي عن هذه العادة في المعتقد الشعبي نذير شؤم وفأل سيء للعروسين، ومهما اختلفت ثقافات الشعوب وطبقاتهم الاجتماعية، تظل «ليلة الحناء» من أهم الطقوس التي لا تتنازل عنها أي عروس.