مفهوم البركة في الثقافة الشعبية المغربية عند إدوارد فسترمارك
العدد 28 - ثقافة مادية
إن من أبرز مهام البحث الإثنوغرافي هو البحث عن المفاهيم المكونة للأنساق الثقافية ودراسة كيفية تشكل العلاقات بينها وبين السياقات التي تجري فيها وعبرها التجربة السوسيوثقافية الحية للأمم والشعوب. ذلك أن هذه المفاهيم هي بمثابة الأسس التي تستند إليها رؤية هذه الشعوب إلى الكون ومن ثمة تفسيرهم للحقيقة. كما أنها تنظم الحياة الاجتماعية وتسطر الأعراف وتنتج التقاليد والعادات، وتنسج الشبكات الأخلاقية العلاقات بين الأفراد والمجتمع، فتحدد الفعل الاجتماعي المقبول وغير المقبول، وتميز السلوك الحسن من غيره.
ولعل دراسة المفاهيم الإثنوغرافية لثقافة معينة تعتبر من أقصر الطرق لتسليط الضوء على الخصوصيات والحوافز الاجتماعية والنفسية للشعوب، ناهيك عن قدرتها على كشف خطاطات الاتصال بين الحاضر الثقافي لهذه الشعوب و ماضيها وتمكن من إنتاج فرضيات عن خطوط الاتصال الثقافي بين الإثنيات والشعوب.
وتتصل البركة كمفهوم اجتماعي بشكل وثيق بالعادات والتقاليد والاعتقاد من جهة، وبمفاهيم أخرى معروفة في العلوم الاجتماعية كـجاذبية الشخصية أو القدرة الخارقة على الإقناع «Charisma»، والشرف «Honor»، وكذا التميز الاجتماعي «Prestige» من جهة أخرى. هذه المفاهيم تنظم بنيات الارتقاء الاجتماعي والنجاح واعتلاء المنازل المرموقة والاعتراف بالمهارات أو سحب هذا الاعتراف، وكذلك صورة الفرد عند الآخرين. من ثمة كانت دراسة البركة مشروعة وجديرة بأن يبذل فيها مجهود.
في هذا الدراسة، سيكون غرضنا الرئيس هو تتبع التجليات الثقافية لمفهوم «البركة» كواحد من أبرز المفاهيم، نظرا لقوته النافذة في تشكيل الاعتقاد في المغرب بكافة أنواعه. ولن تكون هذه الدراسة مباشرة، لكن عبر منظور أجنبي، أي من خلال بحث إثنوغرافي أنكلوساكسوني يتمثل في كتاب الباحث الأنثروبولوجي الفنلاندي إدوارد فسترمارك، «الطقس والاعتقاد في المغرب»(1)، حيث سنحاول تمحيص ما جاء به بحث إدوارد فسترمارك فيما يتعلق بمكانة البركة في الاعتقاد الشعبي المغربي، مراعين في ذلك الإطار النظري الذي اشتغل في حدوده، مع عرض استنتاجاتنا وأقوال النقاد. كما سنعتمد على المعايير المنهجية للكتابة الإثنوغرافية الواردة في كتاب «كيف نقرأ الإثنوغرافيا» لصاحبيه بالوما جي إي بلاسكو و هون ووردل، ولدى منظرين أنثروبولوجيين آخرين.
1 - في تعريف مفهوم البركة:
يعرف المعجم العربي الأساسي لفظة “البركة” بـ”الخير والنماء والأمن والسلام. ويقال بارك الله فيك، أي أحفك باليمن؛ وتبرك بالشيء أي التمس بركته، وتبارك أي تقدس، واستبرك بالشيء أي تفاءل به خيرا والتمس نعماءه”(2). وفي لسان العرب تعني البركة “الزيادة والنماء. وبارك الله الشيء وبارك فيه وعليه أي وضع فيه البركة”(3). وقال الفراء في تفسير الآية “ رحمة الله وبركاته عليكم” إن البركات هي السعادة. وفي حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تعني “بارك على محمد” أثبت له وأدم ما أعطيت من التشريف والكرامة. وأصل المعنى من برك البعير إذا أناخ في موضعه فلزمه. وعن ابن عباس، فلفظة “البركة” تفيد الكثرة في كل خير. وتعني عبارة “تبارك الله” أي تعالى وتعاظم وتقدس وتنزه وتطهر. كما تقصد عبارة تبارك بالشيء تفاءل به. والمبارك ما يأتي من قبله الخير الكثير.
ويقول الأستاذ فوزي الصقلي في كتابه “أولياء وأضرحة فاس” إن البركة حسب قاموس العادات لأحمد أمين تعني سر الله والرسول والأولياء في الأشياء. وهي بذلك ميزة لدنية من عند الله، يلهمها ما شاء من مخلوقاته أكانت نعما ( الماء والمأكولات وباقي الأرزاق) أو بشرا (الرسل وباقي الأولياء) والأماكن (البقاع المقدسة)، والأزمنة والأيام والشهور (كليلة القدر، والأشهر الحرم، وبعض ساعات وأطراف النهار)(4).
نفهم أن البركة حسب هذا الوصف دفق روحي إلهي قادر على التجلي في العالم المخلوق وملئه بالنعم وبالقداسة كما أن البركة التي جعلت في النبي محمد (ص)، كان أيضا بمقدورها أن تنتقل لنسله الشريف. من هنا يمكننا القول إن البركة مفهوم يستمد روحه من القداسة النابعة من الدين، وبالتالي فمصدرها إلهي. كما أن تاريخ المغرب الثقافي الشعبي حافل بمؤسسات وممارسات سياسية واجتماعية وعقدية مثل الزوايا واستجداء الأولياء توفر مناخا خصبا لتجذر مفهوم البركة في النسق الثقافي المغربي، ومن ثمة في التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ذلك أن البركة لا تخترق جل أنساق الاعتقاد وأنواع الممارسات الشعبية فحسب، بل تؤثر أيضا في التجارة والخدمات والدراسة واكتساب المهارات الحرفية منها والفنية. وهذا يجعلها تتخلل أغلب أنواع السلوك والمعاملات بين الأفراد والجماعات.
2 -الإطار النظري لفسترمارك :
يقول يوهاني إيهانوس إن من مبادئ فسترمارك النظرية أن دراسة تاريخ الحضارة الإنسانية يجب أن تتخذ المنهج ذاته الذي اتخذه تاريخ الطبيعة العضوية. وأن علم المجتمع رهين بأن يحذو حذو التاريخ الطبيعي للحضارة الإنسانية، ويتشبث بالإثنوغرافيا والتفسير النفسي عند مقارنته للعادات والممارسات والاعتقادات(5).
لقد وجد فسترمارك سندا نظريا كبيرا في النظرية التجريبية الترابطية ورائديها دايفد هيوم وآدم سميث، و في التطورية النفسية المستلهمة من تشارلز داروين، وهربرت سبانسر وادوارد بورنيت تايلر. لكن التطور لديه لا يطرأ إلا في إطار سباقات تطورية كبرى، وأن هذا الأخير لا يقتصر على التكيف فحسب، بل يضم أحكاما أخلاقية مختلفة واختيارات فردية ومجالا واسعا من الأفعال الاجتماعية والرمزية.
لقد لعبت التحولات الفكرية الكبرى في أوروبا دورا أساسيا في تأثيث المناخ الفلسفي والعلمي الذي نشأ فيه فسترمارك. فقد تراجع الفكر الديني وتقلصت الهيمنة الروحية للكنيسة، وتشكلت نظرة جديدة للكون بفنلندا، كما ساعدت محاضرات الفيلسوف السويدي كارل فون برغن حول الدين على أن تصبح المسألة الدينية موضوعا عموميا(6).
وكان فسترمارك من أوائل الباحثين في فنلندا الذين سعوا إلى رسم معالم نظرة كونية جديدة تعتمد على أساس وضعي. ثم نشأ اهتمامه بأصول الأنظمة الأخلاقية وتطورها، والتي كانت في اعتقاده تنبع من المجتمع نفسه. كما اعتقد أن الظروف الاجتماعية والثقافية تحسم في اختلاف المبادئ الأخلاقية. وكان أهم مؤلفاته «أصل وتطور المبادئ الأخلاقية» سببا وراء إجراء دراساته الميدانية بالمغرب، بهدف جمع معطيات حول تكون المبادئ الأخلاقية في المجتمعات البدائية.
في ما يخص المنهج يصرح فسترمارك في مقدمة كتابه«الطقس والاعتقاد في المغرب» أن هدفه في تلك الدراسة هو تقديم بحث حول الدين والسحر لدى عامة سكان المغرب دون أن يتطرق للمبادئ العامة للإسلام وشرائعه أو تلك الخاصة بالمذهب المالكي، إلا في حالات قليلة جدا. كما يصرح أنه لم يقتصر في هذا البحث على الحقائق الظاهرة كما هي، بل حاول أن يكشف عن الأفكار الكامنة وراء هذه الحقائق لكونه مقتنعا بأن الروايات ما هي إلا تأويلات للطقس أو العادات التي انبثقت منها.
من جهة أخرى، يضيف الكاتب في المقدمة نفسها أن واجب الباحث الإثنوغرافي لا يقتصر على الملاحظة والوصف، بل يتعدى ذلك إلى أمور أخرى. وأنه في حال التباس معنى الطقس أو فقدانه، فيجدر به استعمال ثقافته العامة حول تفكير الشعب المدروس وأحاسيس أفراده لإعادة تشييد المعنى. غير أن هذا الأخير يجب أن يتحرى الصواب ويعمل قصارى جهده ألا يخلط تأويله بالحقائق المستمدة من ميدان البحث(8).
وبما أن الطقس أو العادة يمكن أن تنشأ عرضا من داخل جماعة ما، أو يستورد من خارجها، ينبغي عدم الاكتفاء بكشف المعنى الداخلي للطقس بل يجب أيضا بحث أصله الذي انبثق عنه. هذا العمل الذي تعترضه صعوبات كبيرة لأن بحث الأصل النفسي لمادة ثقافية يقتضي الاطلاع على الظروف التاريخية التي واكبت تحول هذه المادة الثقافية إلى أخرى، واستنباط التشابه الثقافي بين تلك الأمم والشعوب، بما يدل على الأصول الثقافية المشتركة لها(9).
اعتمادا على ما ذكر، تكون معالم المنهج التطوري التاريخي والاستنباطي قد اتضحت في تصريح فسترمارك نفسه. وبالتالي فأي تقييم وأية مقاربة نقدية لهذا العمل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المنطلقات النظرية والمنهجية. وبناء على ما سلف، يجدر بنا إلقاء نظرة فاحصة على متن هذه المقالة الخاص بمفهوم البركة، وتقديم الاستنتاجات العامة وكذا الملاحظات النقدية التي يمكن إبداؤها في هذا الشأن.
3 - البركة في الاعتقاد المغربي الشعبي عند فسترمارك:
لقد خصص إدوارد فسترمارك في الجزء الأول من الكتاب المذكور حيزا لا يستهان به من الكتاب لمفهوم البركة كركن من أركان الاعتقاد لدى المغاربة، فأخصها بحجم 226 صفحة من أصل 608 صفحة، قسمها إلى ثلاثة أقسام هي: انتشار البركة، وأثرها وتجلياتها، ثم قابليتها للتأثر.
فحسب فسترمارك فالاعتقاد السائد في المغرب حول البركة هو أن الرسول محمد(ص) كان يمتلك نصيبا من البركة لم يمتلكها غيره أحد من قبله، وانتقلت هذه البركة إلى الشرفاء(10) من نسل ابنته فاطمة، خاصة منهم الذكور، غير أنه لم يمتلك منها القدر الموجب لدرجة الولاية إلا القليل. كما أن البركة تقل عند أبناء من أب من أصل «شريف» وأم من ذلك الأصل. ومن دون هؤلاء الشرفاء، أو «الشرفة» وهم كل من استطاع أن يثبت نسبه إلى النبي محمد(ص) بأي شكل من الأشكال، تمتلك البركة أيضا من قبل أولئك الذين ينتمون إلى عائلات «المرابطين» وينحدر أصل هذه العائلات من نسل شخص على درجة معينة من القداسة والولاية، لكن ليس من نسل «شريف». ويستمد «لمرابطين» البركة عبر الوراثة. والتعريف المغربي ل«لمرابطين» هو أنهم «خدام الشرفة». ويعتقد المغاربة أيضا أن المرء يصبح «مرابط» بعد أن يتلقى البركة من « شريف» ولي، أو بالصدفة من ولي كان يخدمه. وهذه البركة قابلة للتوارث داخل نسل «المرابط».
وفي نفس السياق، هناك من بين سكان الجبال في شمال المغرب من يمتلكون البركة ويدعون «لمعمرين»(11) ويعرفون بأنهم نسل من شخص أصبح وليا صالحا بعد أن ملئ بالبركة من لدن آخرين. ويكتسب المرء البركة عن طريق «الملء» إذا كان خادما لولي صالح، وذلك بطرق شتى إحداها أن يبصق الولي الصالح في فم خادمه فتمر عندئذ البركة لتستقر في الخادم. وأيضا أن يتناول الولي الصالح، في آخر عشرته مع خادمه، طعاما ويأمره بأكل ما تبقى، وعند انتهاء الخادم أو «لخديم» يقول له الولي: « نتا لي ديتي لخبزة»، أي« لقد حزت بركتي».
ومن بين أشكال انتقال البركة من شخص إلى آخر لدى فسترمارك ما يدعو إلى الاستغراب(12)؛ حيث تنتقل البركة عن طريق الجماع بين الولي الصالح وامرأة. وإن كانت هذه المرأة متزوجة فلن يعتبر ذلك حرجا لأهلها وخاصة لبعلها، بل مبعث فخر وتفاؤل، كما أن ذلك قد يكون موضوع تهاني الجيران. كما يعتقد المغاربة حسب بحث فسترمارك أن طالب القرآن لا يمكنه أن يحفظه بيسر إذا لم يمارس عليه الشيخ الجنس. ومن المفيد أيضا لمتعلم لحرفة ما أن يمارس عليه معلمه الجنس، فذلك يجعله قادرا على امتلاك أسرار المهنة.
وفي بعض الأحيان، قد تنتقل البركة ضد رغبة حائزها(13). و يمثل فسترمارك لذلك بحقيقة أن بركة سلطان ما تنتقل إلى سلطان جديد بواسطة السلطان نفسه الذي عادة ما يعين خلفه بنفسه، هذا الخلف الذي عادة ما يكون أحد أولاده. غير أن هذه البركة قد تنتقل إلى راغب آخر في الحكم يطمع لحيازتها في حياة السلطان، مثلما حدث لبوحمارة الذي حاز بركة السلطان فمررها إلى أخ غير شقيق لهذا الأخير، مولاي امحمد، الذي كان آنذاك سجينا فامتلكها لسنين. وكمثل آخر يضيف فسترمارك أن شرفاء وزان لا يتورعون من سرقة بركة زائريهم من الشرفاء، إذا ما حدث أن ترك هؤلاء في متناول مستضيفيهم ما يتبقى من طعامهم، حتى ولو كان عظما. لذلك يتحرز بعض الشرفاء من مصافحة شرفاء وزان، كما يتفادى بعض أهالي فاس الذين يحجون إلى ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش لدى قبيلة بني عروس، الرجوع عبر وزان، ويختارون لذات السبب طريقا أطول مخافة أن يسلبهم شرفاء وزان البركة التي استجلبوها لأنفسهم بزيارتهم الضريح المذكور. وللغرض نفسه أيضا، يدأب شرفاء وزان ألا يقدموا لضيوفهم الخبز إلا وقد أكلوا منه وقطعوه أجزاء متعددة تفاديا لضياع البركة منهم.
وبشكل عام، يخشى جميع الشرفاء أن تسرق بركتهم(14)، وهذا ما يجعلهم يكرهون أن تقبل أيديهم، وتخشى طائفة منهم أن يشرب الماء الذي يغسلون فيه أيديهم بعد الطعام. ومرد ذلك إلى الاعتقاد السائد أنه من يطعم الناس ويسقيهم، ويقدم لهم الماء لغسل أيديهم يحوز بركتهم. وقد يصبح الشخص بتراكم البركة لديه وليا على الرغم من أن بركة من أطعمهم لا ترقى بهم إلى مصاف الأولياء. يضاف إلى كل هذا أن بعض الناس يستجلبون البركة لأنفسهم إما بالسرقة أو بطرق سحرية، وحتى من الجمادات.
وبالإضافة إلى انتقال البركة من شخص عبر الوراثة والهدية والسرقة والغصب، والجماع، يمكن اكتساب البركة بطرق أخرى كالجهاد ضد غير المسلمين(15). ذلك أن الجهاد في سبيل الله يحتل في الثقافة المغربية مكانة هامة، ويعتبر «لمجاهدين» فئة خاصة من الأولياء، تقدس قبورهم في شتى أنحاء البلاد، لاسيما على الأشرطة الساحلية حيث كان يتعين منع الثغور من الهجومات الإسبانية والبرتغالية. وقد أضفى ذلك البركة والقداسة على المدافع والقذائف المدفعية فصار يتمسح بها الزوار تبركا بقداستها. ومن موجبات اكتساب البركة أيضا، الورع الشديد وكثرة تلاوة القرآن وقضاء الوقت في الصلاة والاستمرار في الصيام، وإطعام «الطلبة» أي حفظة القرآن، و إيتاء الزكاة للفقراء وترك المحرمات. ولعل من أيسر الطرق لإحراز البركة كذلك الاختلاء في جبل مبارك من طينة «جبل لخضر» في دكالة، أو السكن لدى ضريح ولي صالح معروف.
وقال فسترمارك في معرض حديثه عن علاقة البركة بالأشخاص والمناسبات، إن البركة في الثقافة المغربية ترتبط بمراحل حياة الإنسان، فيعتبر الصبي والشيخ المشتعل رأسه شيبا ذوي بركة، ويتصف بها أيضا الوالدان وعابرو السبيل وتلامذة المدرسة القرآنية. كما تشكل الطقوس مصدرا للبركة. فالختان يضفي البركة على الطفل، ويبارك الزواج في حديثي العهد به.
أما الأمكنة(18) فلها أهميتها وميزتها الخاصة في نظام القداسة والتقديس في الثقافة الشعبية المغربية. وتأتي في أول لائحة الأماكن المقدسة أضرحة الأولياء سواء أكانوا معروفين أم غير معروفين. لأن المكان يستمد البركة من جثمان الولي، كما تستمدها النباتات والأشجار المحيطة بقبره. بعد ذلك يأتي «الكركور» وهو ركام من الأحجار مجاور لضريح ما، نشأ بفعل الأحجار التي يرمي بها عابري السبيل عندما يمرون بضريح ولي صالح دون أن يقوموا بشكليات زيارته. لكن أحيانا يكون «الكركور» علامة على مكان مواراة ولي، أو خلوته أو إقامته، إلى غير ذلك. ويقدم فسترمارك مثالا على «الكركور» بذلك الموجود بمركز حفرة تدعى «حفرة مولاي إدريس»، التي تكونت لأن الناس ذات زمان تمادوا في جلب التراب من المكان الذي أقام فيه مولاي إدريس الأب لأجل بركته، حتى أضحى المكان عبارة عن حفرة. وفي أماكن مختلفة من المغرب يسمى المكان الذي اعتقد أن وليا صالحا معينا قد أقام فيه ب «لمقام». وغالبا ما يكون مكان كهذا محاطا بالأحجار لتتبين حدوده. كما لا تستثنى من هذه الأمكنة الكهوف وعيون الماء، والجبال والصخور الضخمة. ومن بين الأمكنة كذلك، يحظى البحر في الثقافة المغربية بقدر وافر من التبجيل، وبالتالي لا يمارى في بركته أحد. لذلك يعول عليه كثيرا في الاستشفاء والحماية واكتساب الرزق، وإنهاء العقم وإبطال مفعول السحر. كما يستجدى البحر في طلب الأزواج، فتقدم له القرابين كالخبز والتيس الأسود والنقود الفضية. وكما للمكان بركته، فللزمان أيضا نصيبه منها. ذلك أن بعض الشهور والأيام والمناسبات تعتبر ذات بركة ومن الأجدر التعامل معها كما يليق ويجب.
ويركز فسترمارك على الُبصاق كسائل ذي بركة عند المغاربة. فالشرفاء يصيبون المرضى ببصاقهم الشريف فيبرؤون. كما يبصق التاجر على النقود التي يكتسبها من تجارته مخافة أن يسترجعها منه أحد بطرق سحرية. ويبصق بعض الناس إذا شموا رائحة كريهة، كما يبصقون عند سماعهم لكلام يفيد الشر وسوء الطالع. أما المسافر فيبصق على سبعة أحجار ويضع في كل ركن من أركان البيت واحدة، وفي كلا جانبي المدخل واحدة، وفوق الباب واحدة، ليحمي بذلك متاعه وأزواجه من السراق. كما يستبرك بعض الناس ببصاق بعض الحيوانات.
لم تبخس الثقافة الشعبية المغربية الحيوانات(19) حسب فسترمارك نصيبها في البركة. فتكتسب القطط والحمير بركتها لمصاحبتها للأولياء الصالحين أو استقرارها بأضرحتهم. أما القطط فتنال حظها من الهدايا المقدمة عند الزيارة. وأما الحمير فمنها ما نفق وبني عليه فصار ينال من التبجيل ما لا يناله البشر. وتبجل أيضا الغنم والجمال والكلاب السلوقية. كما أن هناك بعض الأسماك المقدسة التي تحظى لبركتها باحترام خاص فلا تصطاد، بل إن هناك من يخرجها من الماء ليقبلها ويرجعها إلى الماء ثانية، وهناك من يناولها من الكسكس قبل أن يتناوله هو. ولعل أجدر حيوان باستحقاق البركة والقداسة هو الحصان. فهو يضفي البركة على صاحبه و أهله، فبركته تعدل بركة أربعين حامل قرآن في المسجد، كما تنفر الشياطين والأرواح الشريرة من حوله، ذلك أن هذه الأخيرة تطير حينما يصهل. هذا الصهيل الذي يعني « الخير لي و لمولاي». كما يصلي الحصان لمولاه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ويمكن أن تقاس القيمة الاعتبارية للفرس في المستوى الرمزي على قيمة المدافع والبنادق نظرا لاجتماعها في حقل دلالي واحد، يدخل في سياق الجهاد الذي يقترن بالحماية والدفاع عن الأمة وعن المقدس.
تحضر الحشرات في الاعتبار أيضا، فالثقافة المغربية لم تقصر في حقها وألقت البركة على بعض أنواعها، كالنحل(20) الذي يجب معاملته بلطف والإعراض عن قتله. وقد يتساوى القمل في درجة البركة مع النحل، إلى درجة أن للمغاربة مثلا يقول «لي ما فيه مل ماشي مسلم». أما الطيور ذات البركة فهي الحمام ، بالاضافة إلى الخطاطيف التي تتمتع بقدر كبير من البركة في الاعتقاد الشعبي المغربي وتسمى «بالشريفة».
وتحظى الحبوب والخضر(21) بالبركة أيضا وعلى رأسها الذرة. أما التمر والزيتون والفواكه الجافة فلها قيمة قدسية لا تضاهى، كما هو الحال بالنسبة للبن والعسل والزبدة، وقد يفوقهما زيت الزيتون بركة. وبالإضافة إلى المنتوجات الفلاحية المذكورة، يعرض فسترمارك لأنواع عدة من الحشائش التي يصفها المغاربة بالمباركة نظرا لفائدتها في تسكين الألم وفعاليتها الدوائية والتجميلية وحتى السحرية في بعض الأحيان.
تضفي الثقافة الشعبية المغربية القداسة والبركة على الكواكب(22) كالشمس التي يتفاعل معها الناس لنورها وفعاليتها التطهيرية والعلاجية، فيلتمس منها الأطفال أن تأخذ أسنانهم المقتلعة القبيحة وتمنحهم أسنانا جميلة. كما تلتمس منها النساء المساعدة أثناء غيبة أزواجهن وذلك حسب طقوس معينة. وهذا ما يرجعه فسترمارك إلى عادات قديمة لعبادة الشمس. وللقمر الأهمية نفسها في الثقافة الشعبية المغربية حيث يتوسل إليه لدفع الشرور وطلب الخيرات لاسيما عند رؤيته في أول منازله. وبالإضافة للاستبراك بالقمر، يعتقد في قدرته العلاجية حسب طقوس معينة كما يعول على مساعدته على تدبير طقوس سحرية وإنجاح فعاليتها. كما يشير فسترمارك إلى اعتقاد المغاربة في بركة التنور والنار على الخصوص، فهما يسألان الله الطعام وإن حدث أن انطفأت لا يبقى ما يكفي من الطعام في البيت، وتغادره البركة. ويرجع فسترمارك أن هذا الاعتقاد موروث عن ثقافات افريقية وعربية.
لا تخلو بعض الأسماء والأرقام(23) في الثقافة الشعبية المغربية من البركة حسب فسترمارك. فاسم محمد وكل الأسماء المشتقة منه تضفي على صاحبها صفة البركة فيكون مباركا حيث كان، ولا يشقى به أهل بيته ورفقاؤه. أما الأرقام الوترية فلديها فضل كبير على سائر الأرقام. كما يستعمل رقما ثلاثة و سبعة كثيرا في جداول السحرة حيث يعتقد في قوتها السحرية. وعلى الرغم من مصادفة هذه الملاحظات حول الأرقام لبعض أحاديث النبي محمد(ص)، ففسترمارك يرجع ذلك إلى اعتقادات في علاقات الأرقام الفردية بحسن الطالع لعهود أقدم بكثير من الإسلام.
في الشطر المخصص في تجليات البركة وآثارها يتحدث فسترمارك عن الخوارق التي ينجزها الأولياء بفعل حيازتهم لقسط مهم من البركة(24) تمكنهم من الانتقال إلى أبعد الأماكن ونقل أناس آخرين بين الأمكنة. كما تمكنهم من الاستخفاء والتجلي والاستحالة ومعرفة ما يجري في أماكن بعيدة، وأيضا إنزال النقمة على من لا يطيعون أمرهم. وبخصوص الأولياء فيتميزون بكون بركتهم لا تنقطع بموتهم، بل تتضاعف كراماتهم وهذا ما يحفظ حرمتهم بشكل مستمر.
إن للبركة أهمية جلية في حياة المغاربة العامة والمهنية على الخصوص، حيث ترتبط كل جمعية حرفية بولي معين، فيزور منتسبوها ضريحه بانتظام(25) . هكذا، فولي حملة القرآن أو “الطلبة” هو سيدي أحمد بناصر، وولي القناصة هو علي بناصر، أما ولي البهلوانيين هو سيدي احماد أو موسى، الخ. وبتلقائية يصبح شيخ شخص ما، هو نفسه شيخ أطفاله. كما تكون علاقة الشيخ وخدمه أكثر حميمية من علاقته بنسله. لكن البركة على الرغم من فضلها ويُمنها يمكن أن تتحول حسب فسترمارك إلى شر ونقمة أي ما يسمى في الثقافة الشعبية المغربية ب“الباس” إذا لم تحترم بعض القواعد وتطبق شكلياتها كاملة وبالحرف.
يختم فسترمارك دراسته حول مفهوم البركة في الاعتقاد الشعبي لدى المغاربة بالحديث عن حساسية صفة البركة ومسببات زوالها. ويذكر أسباب متعددة توجب فقدان البركة من لدن الأولياء والأطعمة والجمادات والأمكنة. ونقتصر هنا على ذكر ما يتعلق بالسلطان(26). وأول ما يذكر في هذا الموضوع أن السلطان لا يجب أن يسافر بحرا لئلا يفقد بركته، و بالتالي سلطانه. كما أنه يجب أن يستظل بالمظلة الشريفة كعادته، لأن أشعة الشمس تضر بالبركة. ويرجع فسترمارك عادة استظلال الملوك بالمظلة الشريفة إلى الملوك الأشوريين، فتبناها بعدهم الملوك الإيرانيون ثم خلفاء بغداد. بعدها مرت هذه العادة إلى شريف مكة ثم إلى سلطان المغرب. وبالشكل فسه يذكر فسترمارك أن النار أيضا تفقد بركة كل الأغراض المتصفة بها.
يستخلص فسترمارك من دراسته هذه أن حساسية البركة كصفة قدسية إلى بعض مسببات زوالها علامة على انطوائها على عنصر ملوث، لا يؤثر على الغير فحسب بل حتى على حامل هذه الصفة. ويشبه ذلك باعتقادات تحمل في طياتها مظاهر متناقضة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينفع اليهودي الموصوف بالخبث نبتات الخضر إذا ما لامسها بواسطة عصى أو داعب أوراقها بأصابعه، فتنمو و تزدهر(27).
4 - التقييم :
من خلال قراءة متأنية للنص الذي خصصه فسترمارك للحديث عن البركة نستنتج أنه تعامل مع هذا المفهوم من خلال ثنائية السحر والدين، لذلك كان استشهاده بدجايمز فرايزر صاحب كتاب الغصن الذهبي: «The «Golden Bough أساسيا أثناء تقديمه لعمله الإثنوغرافي حول المغرب. فقد كان مفهوم البركة بالنسبة إليه عاملا للتفريق بين المقدس والدنيوي، وأن اعتقاد المغاربة بأن الأماكن والأزمنة والأغراض بكل أنواعها تتميز في ذاتها بين متضمنة للبركة وفاقدة لها، بشكل يشبه بكثير ما يقوله هو نفسه عن الشعوب البدائية في ميلانيزيا التي تسمي تلك الخصيصة المميزة بين المقدس والعادي ب «مانا»، ويسمى «كالو» في فيجي، و»نديامانيترا» في مدغشقر، الخ(28).
وفي نفس السياق يمكن تقسيم الأشياء التي يعتقد المغاربة حسب فسترمارك احتواءها للبركة إلى مواد غذائية، كالحبوب و اللبن وغير ذلك. أو منتجة للغذاء كبعض الحيوانات كالأكباش والبقر والنحل ... بالاضافة إلى حيوانات ذات منافع أخرى كالنقل والحرث مثل الحمار والفرس. أو مواد ذات قيمة علاجية كالتوابل والنباتات والأزهار مثل “شندكورة”. كما أن المغاربة يعتقدون بوجود البركة في جميع الأشياء التي تتحقق بواسطتها الغايات السحرية. أضف إلى ذلك أن الاعتقاد في بركة الأولياء وكل ما يتصل بهم يمكن تفسيره بقدرتهم على الحماية وجلب المنافع.
إن هذا التحليل يعتبر أيضا نقطة تقاطع بين الاعتقاد المغربي حسب فسترمارك، وبنية الاعتقاد لدى شعوب بدائية أخرى، وأيضا بين فكرة إضفاء البركة على الأشياء ومفهوم الطوطمية عند الشعوب الموصوفة بالبدائية عبر العالم. فقد ذكر ثورونتن وسكالنيك في كتابهما المشترك: الكتابات الأولى لمالينوفسكي The First Writings of Malinowski(92)، في سياق تعريف الطوطمية أن الاعتقادات الطوطمية تعكس علاقة الإنسان بمحيطه الطبيعي من حيوانات ونباتات وجمادات، وموقف الإنسان من هذا المحيط المتمثل في إضفاء القداسة على أشياء من محيطه الطبيعي يتعلق بصفة مباشرة بالطبيعة السيكولوجية للإنسان وتفاعلها مع الظروف الخارجية. وهذا يرجع بنا إلى نشأة السحر والأفكار الدينية، ذلك أن سلوكيات الإنسان المتعلقة بالعبادة والتقديس تتعلق كلها بالفهم الديني والأسطوري السحري للواقع المعيش، المتصل بشكل رئيسي بالاحتياجات الحيوية الضرورية لوجوده ومطامحه، ومخاوفه.
لقد كان الإنسان يؤمن حاجاته من أكل وشرب وعلاقة جنسية وحماية مباشرة من محيطه الطبيعي، اعتمادا على تكنولوجيا بدائية جدا لا تضمن له الارتياح والطمأنينة إلا بنسبة ضئيلة، ما يجعله دائم التوجس لأنه غير قادر على تدبير السيطرة النظرية والعملية على الواقع لوحده، وهذا ما يجعله يستنجد بالقوى التي يعتقد في جبروتها. ويمكن إعادة صياغة هذا الكلام من الناحية السيكولوجية بالقول إن الأفكار الدينية تنشأ حينما يقوم الإنسان بفعل ما أو يفكر تحت تأثير عوامل عاطفية قوية(30). هذه العواطف تدفع لدى الإنسان البدائي الجاهل بقوانين الطبيعة والساعي إلى فهم ظواهرها إلى اعتناق أفكار خرافية من قبيل الاعتقاد، على سبيل المثال، أن القوة الكامنة في المواد التي يتغذى منها، أي ما نسميه بالخاصيات الكيميائية الموجودة في الطعام (31)، تنتقل إلى جسم الإنسان بشكل سحري، وأن هذه القوة نفسها تتميز بخصائص سحرية أو دينية.
وعلى الرغم من اعتراف الجميع بالمجهودات الكبيرة التي قام بها فسترمارك في أبحاثه “الميدانية” بالمغرب، والكم المهم من المعطيات المفصلة التي استخلصها من مخبريه المغاربة، فقد وجهت له انتقادات كثيرة ومتنوعة، نورد بعضها كالتالي :
- أولا، أنه كان يستعرض المعطيات على شكل متون بأسلوب محايد وغير جذاب، ما يجعل شخصية الكاتب تفقد حضورها.
- ثانيا، عيب على فسترمارك أنه لا يضع التقاليد والطقوس التي استطاع جمعها داخل سياقها الاجتماعي، أو يحاول تقديم تحليل لصيغ السلوك، أو يربط بين عادات مختلفة(33).
- ثالثا، انتقد فسترمارك لإهماله التغييرات الاجتماعية والتاريخية للظواهر التي دأب على سردها(34).
رابعا، أوخذ فسترمارك من قبل دايفد مونتجومري هارت(35) بأن الإفادات الإثنوغرافية التي أعدها حول قبيلة بني ورياغر لا يقف أي دليل على أنها جمعت من البحث الميداني مباشرة، بل عن طريق استجواب المخبرين الريفيين الذين وفدوا على مدينة طنجة إما بحثا عن العمل أو خوفا من أن يقام عليهم الحد العرفي للثأر لاقترافهم إحدى الجرائم التي تستوجب الحدود. ويضيف هارت أنه شبه متيقن بأن فسترمارك لم يسبق أن وطأت قدماه الريف، بل حتى الأطلس، وأن فسترمارك يكاد لا يصف ظروف جمعه للمعطيات وقيامه بالأبحاث الميدانية.
إن ما يقوله هارت في حق فسترمارك لجدير بالاهتمام، ذلك أن هناك بعض الملاحظات التي استخلصناها عبر مراجعة بعض الأمثال المغربية التي ساقها فسترمارك في معرض تقديمه لبعض التأويلات الخجولة، التي تضمنتها دراسته حول البركة، والتي تبعث هي الأخرى على الشك في نوعية البحث الميداني الذي قام به الباحث بين ظهراني المغاربة. ففي الصفحة 46 من كتاب” الطقس و الاعتقاد بالمغرب”، يقدم فسترمارك مثلا مغربيا يفيد تقديس المغاربة للشيب، يقول “ الشيب وقرو الله أو النبي”، و يترجمه إلى الانجليزية ب : « Š-Šib respect God and the Prophet » بما يفيد « الشيب يوقر الله والنبي». نلاحظ هنا انزياحا واضحا عن المعنى ينم عن عدم إتقان الباحث للغة مخبريه والشعب موضوع دراسته.
وفي الصفحة 117 يقول فسترمارك إن قبيلة «لانجرا» يسمون قوس قزح ب: «حزام دلالا فاطمة الزوهرا». ويترجم ذلك بالانجليزية ب: the beautiful lady Fatima’s beltSوهو ما يفيد «حزام السيدة الجميلة فاطمة». هنا أيضا يتضح تواضع ثقافة فسترمارك المغربية بما لا يدعو إلى الشك. ففاطمة الزهراء لا تخفى على المغاربة غير المتعلمين، فما بالك بمخبرين متعلمين، وباحث اثنوغرافي يفترض فيه إتقان لغة الثقافة المدروسة. وهنا نتساءل كيف لباحث من طينة فسترمارك ألا تكسبه تجربته الحية بين ظهراني المغاربة ثقافة الأسماء حتى لا يدرك أن «فاطمة الزوهرا» المقصودة هنا هي فاطمة الزهراء كريمة النبي محمد، رسول الإسلام، من خديجة بنت خويلد ؟ وهل خفي ذلك على مخبريه؟
وفي الصفحة 246، من الكتاب نفسه يقول فسترماك إن «لحياينة» إذا أنتج لهم كم مهم من اللبن يطعمون الناس ومعهم حامل قرآن طعاما يدعى لمحجيبيات» وهو الكسكس بالزبدة، وذلك في مناسبة تدعى «عرس اللبن». وبعد انتهاء المأدبة يدعو الحاضرون لأصحاب البيت بدعاء نصه» الله يقوي أوماتو». هذه العبارة يترجمها فسترمارك ب»May God strengthen the mother of it» أي ما يفيد قوى الله أم الشيء، وبذلك يكون فسترمارك قد جانب المعنى هنا كذلك، لأن العبارة المغربية يقصد بها الدعاء للأمة الإسلامية بالقوة وليس لأي لشيء آخر.
5 - خلاصة :
على العموم، يتضح أن مفهوم البركة ركن رئيس في الثقافة الشعبية المغربية، كما يشكل محور نظرة المغاربة إلى الكون.بالتالي لابد أن يكون له شأن كبير في نسيج العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وتحديد نظرة بعضهم إلى بعض. كما يعد أساسا لأبرز المبادئ التي تحدد الفعل الاجتماعي. كما نرى أن عمل فسترمارك المخصص للبركة، على الرغم من جميع الانتقادات، فريد من نوعه سواء من حيث الكم أم من حيث درجة التفصيل التي تقدم بها المعلومات. ومع أن البحث الإثنوغرافي لم يكن قد اشتد عوده في أوائل القرن العشرين، حين بدأ فسترمارك مغامرته الإثنوغرافية في المغرب، كانت تجربته رائدة استطاع من خلالها تسليط الضوء على أغلب المعتقدات والعادات والطقوس السائدة في الثقافة المغربية محاولا أن يبحث أصولها. كما تمكن من جمع كم مهم من الأمثال والحكم والتعابير والمعاني والأقوال المأثورة المستعملة في المغرب، يمكن اعتبارها قاعدة مهمة يعتمد عليها في إنجاز كل بحث سوسيولوجي أو إثنوغرافي حول المغرب، أو حتى استنباط أفكار عامة عن أنواع السلوك التي يتميز بها المغاربة وطرق تفكيرهم وبنية عقلهم. وكما يقول الباحث المغربي عبد الغني منديب ، فعلى الرغم من استغراق فسترمارك في الاهتمام بأصول العادات والطقوس المغربية وعدم اهتمامه بالتأويل، فقد ظل وفيا لنهجه العلمي الصارم الذي ميزه عن المواقف الكولونيالية أو الاستشراقية(35).
المصادر والمراجع
1 - Westrmarck Edward, Ritual and Belief in Morocco .Vol.1, Macmillan and Co., London, 1926.
2 - المعجم العربي الأساسي، لاروس، بيروت، 1991.
3 - ابن منظور، لسان العرب، المجلد الأول، القاهرة 2003.
4 - Skali Faouzi, Saints et Sanctuaires de Fès. Marsam, Rabat 2007.4
5-Ihanus Juhani : « The socio-psychological thinking of Westermarck » In la société marocaine Coordonnateurs : R.Bourquia et M.Harras. Publications de la faculté des lettres et des sciences humaines de Rabat, série Colloques et séminaires n°27 p :32.
6 - Lahtinen Tommy: “Edward Westemarck’s personel development and ideology”. In Westremarck et la société marocaine .Op.Cit.pp:25
7 - Westrmarck Edward, Ritual and Belief in Morocco .Op Cit, P: 8
8-Ibid, p: 10.
9-Ibid, p: 10
10 - Ibid, p: 36
11 - Ibid, p: 41
12 - Ibid, p:198
13 - Ibid, p: 41
14-Ibid,p:41
15-Ibid, p:
16-Ibid, p:42
17 - Ibid, p: 63
18 - Ibid, p: 51-60
19 - Ibid, p: 96-97
20 - Ibid, p: 98
21 - Ibid, p: 106-113
22 - Ibid, p: 119
23 - Ibid, p: 139-146
24 - Ibid, p: 148-156
25 - Ibid, p: 179
26 -Ibid, p: 256-257
27 - Ibid, p: 260-261
28 -Ibid, p:22
29-Thoronton, Robert.J. and Skalnik, Peter, eds. The Early Writings of Bronislaw Malinowski. Cambridge University Press. Cambridge, 1993. P : 236
30 - Ibid, p: 236
31 - Ibid, p: 236
32 - Ihanus Juhani : « The socio-psychological thinking of Westermarck » in Westermarck et la société marocaine. Coordonnateurs : R.Bourquia et M.Harras. Op.Cit, p: 33.
33 - Suolinna Kirsti, Rituals of Passage in Islamic Folkculture: A Comparison between Studies by Edward Westermarck and Hilma granqvist. Op.Cit, p: 47
34 - Melasu Tumo: «l’image du Maroc à travers les écrits d’Edward Westermarck ».Op.Cit, P:53
35- Hart David Montgomry. Oaths Sponsorship, Protection, Alliance and the Feud in the Moroccan Berber Work of Edward Westermarck. in Westermarck et la société marocaine. Coordonnateurs : R.Bourquia et M.Harras. Op.Cit, p: 137.
36 - منديب عبد الغني ، الدين و المجتمع، دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2006.
مراجع باللغة العربية:
1 - منديب عبد الغني ، الدين و المجتمع: دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء 2006.
2 - شغموم الميلودي ، المتخيل و القدسي في التصوف الإسلامي: الحكاية و البركة. منشورات المجلس البلدي بمدينة مكناس. المحمدية، 1991.
3 - المعجم العربي الأساسي، لاروس، بيروت، 1991.
4 - ابن منظور لسان العرب، المجلد الأول، القاهرة 2003.
5 - المعجم الموحد : لمصطلحات العلوم الإنسانية (الفلسفة-الاجتماع والأنثروبولوجيا- التربية) انجليزي-فرنسي-عربي. مكتب تنسيق التعريب. 1997.
6 - الزاهي نور الدين. بركة السلطان. دفاتر وجهة نظر(12) الرباط 2007.
مراجع أجنبية:
1. Melasu Tumo : « l’image du Maroc à travers les écrits d’Edward Westermarck ».In Westermarck et la société marocaine. Coordonnateurs : R.Bourquia et M.Harras. Publications de la faculté des lettres et des sciences humaines de Rabat, série Colloques et séminaires n°27 p :53.
2 - Westrmarck Edward, Ritual and Belief in Morocco .Vol., Macmillan and Co., London, 1926.
3 - Westrmarck Edward, Wit and Wisdom in Morocco: a Study of Native Proverbs. George Routledge & Sons. London 1930.
4 - Lahtinen Thommy: “Edward Westemarck’s personel development and ideology”. In Westremarck et la société marocaine .Op.Cit.pp:17
5 - Bourqia Rahma:”Rituel, symbole et Alea dans la société rurale marocaine : repenser Westremarck”.In Westremarck et la sociéte marocaine. Op.Cit.p:185
6 - Ihanus Juhani : « The socio-psychological thinking of Westermarck et la société marocaine. Op.Cit.p:27.
7 - Skali Faouzi, Saints et Sanctuaires de Fès. Marsam, Rabat 2007.
8 - Thoronton, Robert.J. and Skalnik, Peter, eds. The Early Writings of Bronislaw Malinowski. Cambridge University Press. Cambridge, 1993.
9 - Eliade Mircia, le Sacré et le Profane. Gallimard, collection folio essais, 1987.
10- Frazer James. The Golden Bough. Pinguin Books. London 1996.
11- Gay y Blasco Paloma and Wardle Huon. How to Read Ethnography. Routledge. London 2007.