تعليقات حول كتاب
العدد 37 - أصداء
قدّم جيسون هذه الملاحظات خلال التظاهرة الاحتفالية التي أقامتها دائرة الفلكلور وموسيقى الشعوب في جامعة إنديانا في 18 نوفمبر 2016، وقد أقيمت هذه التظاهرة للاحتفاء بالكتب التي نُشرت حديثاً، والتي ألفها أعضاء الدائرة.
وقد تناول السيد جاكسون، أستاذ الفولكلور في جامعة إنديانا، ومدير متحف «مذرز» للثقافات العالمية، خلال الحفل، كتاب «المكونات الموتيفية للتقاليد الفولكلورية العربية الإسلامية” للأستاذ حسن الشامي، أستاذ الفولكلور المتقاعد من جامعة إنديانا، وعلاّمة الدراسات الفولكلورية، الذي يشار إليه بالبنان في مجال الفولكلورالمقارن وثقافة التراث في العالم العربي.
تتمحور ملاحظاتي اليوم حول الموتيف «J0152» الحكمة (المعرفة) لدى الحكيم (المعلم).
تشرفت في العام الماضي بالتحدث عن كتاب حسن الشامي، «ما وراء أوديب»، الذي صدرعام 2013، وذلك في ظل غياب السيد حسن عن الجلسة، تحدثت بكل حماس، وأسهبتُ في الحديث عن الكتاب، وعن مساهمته في نظرية الفولكلور، وعلاقتها بالنظرية الاجتماعية بشكل أكثر شمولية وعمومية.
الأستاذ الشامي بيننا اليوم، وأتشرف بفرصة التحــــدث عــن كـــتابــه الجــديـــد، بكل سعادة وسـرور، وقبــل وقوفي هنا قطعت وعــداً لحــسن وجــون بـــأن لا أطيل، وأحاول أن أوجز في حديثي، لكن هذا الإيجاز لن يقلل من إعجابي وتقديري بكتابه الجديد، كإعجابي بسابقه.
خلال الواحد والعشرين عاماً الماضية، التي قضاها السيد حسن في مجال التأليف والكتابة، ومنذ كتابه الأول، «التقاليد الفلكلورية للعالم العربي»، يعكف أستاذنا الموقرعلى تأليف كتاب جديد بمعدل كل سنتين وسبعة شهور، وفي وقت سابق، بدأت تتبدى ملامح حياته البحثية وأهدافه طويلة الأمد، سواء في أطروحته للدكتوراه، الغنية بالنظرية، أو في كتابه «الحكايا الفولكلورية في مصر»، الحائز على جائزة شيكاغو للفولكلور، أو في مقالاته التي تستحق كل ثناء. وكما اقترحت في ملاحظاتي حول كتابه «ما وراء أوديب»، فإن برنامجه البحثي طويل ويتضمن مهمات شاقة.
كما يعلم الجميع، إن النمط الحالي السائد للنشر الأكاديمي هو الكتب الصغيرة، لكن عمل حسن بدأ قبل عقود من الزمن، وكان الهدف منه، منذ أمد طويل، تقديم دراسة متعمقة بعناية وحرص شديد وعمل دؤوب، لا يحفل بتقلبات الزمن، وقد جاءت مشاريعه متواشجة، تنتظم في برنامجٍ بحثيٍ متفردٍ ومتكاملٍ، كما أنها استغرقت أمداً طويلاً حتى رأت النـــور، ونضـــجت ثــمــارهـــا. إنـــي أشـعــر بالسعادة لأنني عشـــت المشهــد في فــــضاء الدراسات الفولكلورية خلال الفترة التي قضاها حسن في التحضير لعمله، حتى طباعته.
ينصب تركيزي اليوم على كتاب حسن الشامي، «المكونات الموتيفية للتقاليد الفولكلورية العربية الإسلامية»، ولكن قبل الانتقال إلى هذا العمل، اسمحوا لي أن أحدد مقدار وحجم العمل الذي أنا بصدد التحدث عنه، نطمح، نحن وزملاؤنا جميعاً، إلى عنصر الجودة في أعمالنا، سواء كانت قصيرة أو طويلة؛ تحدثت عن جودة العمل العلمي المتميز، وعن المستوى الأكاديمي الرفيع الذي يتحلى به الأستاذ حسن، في جلستي السابقة، ولكننا كلنا نعي وندرك أيضاً أن الأعمال المطولة يتجسد فيها الجانب العلمي أكثر من الأعمال المختزلة، لذلك اسمحوا لي هنا، وفي هذا المقام أن، أتطرق لهذا الإسهاب.
قبل هذا الكتاب الأخير، الذي نحتفي به اليوم، وصلت عدد صفحات كتب الأستاذ حسن، التي تم نشرها منذ 1995، إلى 571 صفحة، في المتوسط، ولكن عمله الأخير يشتمل على 748 صفحة، ومنذ عام 1995، نشر حسن أكثر من 6729 صفحة كتاب (وذلك دون النظر إلى مقالاته المطولة).
وهذا يعني بأنه نشر صفحة كتاب كل يوم على مدار الواحد والعشرين عاماً الماضية. قد يتبادر للكثير منا بأن كتاباً بحجم 320 صفحة، يعد مجلداً ضخماً، فإنجاز السيد حسن يعادل كتاباً ضخماً يزيد عن 320 صفحة كل عام، ولمدة 21 عاماً متواصلة.
إن تقدير مجلس البحث الوطني الذي حازت عليه دائرتنا ما هو إلا نتاج جهود مجتمعة ساهم فيها سائر أعضاء القسم بشكل حيوي، دون أدنى شك، ولكن هناك أيضا دور كبير للمخرجات المنشورة، فكلنا يراودنا الإحساس بالتقدير للدورالذي لعبته جهود النشر الاستثنائية للبروفيسور حسن، وللدور الذي لعبه في وصولنا لمستوى يستحق التقدير.
دعــونـــا ننـظــر لعمـــله الـجـديــد في ضــوء سجــله الحافل من الأعمال؛ إن «المكونات الموتيفية للتقاليد الفولكلورية العربية الإسلامية» هي، كما يقول حسن، دراسة شاملة للمكونات المنتظمة لثقافة تقليدية، ولأنماطها المميزة للفكر والسلوك والتصرفات خلال المراحل الحضارية المختلفة» (الشامي، 2016، 11). ليس لدي الوقت لأفضي بكل ما لدي، لكنني لم أقم باختيار هذه الكلمات المفتاحية دون قصد وغاية، فكل مفردة في تلك الجملة نجمت عن مفهوم نظري يُعد أساسياً لتقاليد البحث في علمي الفلكلور والإثنولوجيا؛ من التقاليد التي رسمها حسن وأسهم فيها مراراً، وتمنيت أن عدداً أكبر منا كان لديه طلاقة مفرداته الغنية، وأطره التحليلية المتينة، إذ إن التقاليد التي يعمل بها حسن تتسم بالديمومة، والقدرة الكبيرة على التنوير.
وفي كتابها الجديد، «نظرية متواضعة»، تصف «دوروثي نويز» هذا العمل، مستشهدةً بمساهمات حسن بالتحديد، بأنه يؤكد الفكرة بأن «الفولكلور ذاته نظرية محلية، وبأنه يرتكز إلى التجسيد والتمثيل أكثر من التجريد، في تناوله للحياة الاجتماعية التي تتسم بالتفكير الجمعي والإحالات المجتمعية» (نويز، 2016، 6).
كيـــــف يــرتــكــــز الشــعــــــب إلـــى نـــظــــريــــة الـحــيــاة الاجتمـاعــية كما تعكسها الثقافة التعبيرية المحلية، والسلــوك العــرفـي فـي العالم العــربي؟ من خــلال مــثال توضيحي، لدى باقي شعوب العالم، يقدم لنا كتاب «المـــكــونـــات المـــوتيــفــية للـتــقالــيد الفــولكــلــوريــة العــربـــية الإســلامــية» الإجـابـــة.
وأقول لأولئك الذين يرون في عمل حسن الشامي مرجعاً مضافاً على رف البحث الجغرافي التاريخي، وبحوث السرد الفلكلوري المقارن، بأن الكتاب يلبي هذه المتطلبات، ولا ينحصر فيها، ولابد من النظر للكتاب بما يستحقه من رؤية أشمل.
وقد أجاب البروفسور حسن على سوء الفهم هذا، حيث قال في كتابه الأخير: «مما يدعو للأسف أن المفهوم «فهرس» في الأعمال الفولكلورية الحالية - سواء كانت «موتيفات» أو على شكل «حكايات»، يُفهم بشكل خاطئ، إذ ينظر إليه كأداة بحث تقترن بالمدرسة الفنلندية، «الأسلوب الجغرافي التاريخي»، ويرتكز ذلك الفهم إلى أهدافها الأصلية المهجورة. وكما أشير مراراً، إن هذا الفهم ليس بالضرورة أن يجانب الصواب، إذ أن أحد الأهداف الرئيسة التي يشترك بها العمل الحالي مع ما سبقه من أعمال الكتّاب يكمن في شرح الصفات المنتظمة للموتيفات، وكيف تؤثر افتراضياً في جميع مناحي الحياة البشرية، بدءاً من التركيبة الاجتماعية للمجتمع، وانتهاءً بالعلاقات اليومية بين شخصين غريبين» (الشامي 2016، 12-13).
إن مناقشة سوء الفهم هذا ليس، بالطبع، الغرض الأساس من هذا العمل، ولا حتى من الباب التمهيدي الذي علقت عليه، ففي هذا العمل يعيد حسن تقديم مفاهيم أساسية لعلم الإثنولوجيا الأمريكي، والتي ضاعت معظم معانيها في دراسات الفولكلور المعاصرة - ظواهر مثل السمة الثقافية، والعنصر الثقافي، والمؤسسة الثقافية، وبالاعتماد على عمل خارج نطاق التقاليد الإثنولوجية، يوضح حسن صياغته وتصوره لمفاهيم المعرفة، والنظام المعرفي، والعالم المعرفي على حد سواء، وكما اقترحت في حديثي عن كتابه السابق، يناقش حسن الشامي قضايا ومسائل متفردة تصب في صميم النظرية الثقافية المعاصرة - علم الوجود - في مستوياتها المرتبطة بعلم المعلومات والأنثروبولوجيا، على سبيل المثال. وقد قطعت وعداً بأن أقارب الكتاب الجديد من الناحية النظرية، لكنني أدعوكم بأن تقوموا بذلك بأنفسكم.
لاحظت بأن مجرد قراءة المقدمة يزودنا بمجموعة من الأمثلة التوضيحية التي تشرح الترابط بين «الموتيفات» في التجمعات المحلية والعالمية. وقد تعلمنا بأن الموتيفات، كما تبدو لـ «ستيث ثومبسون» وأقرانه، مجموعة من المكونات التي تشكل السردية الفولكلورية، لكن هذا الفهم ليس نهاية المطاف بالنسبة لحسن الشامي، فكما أوضح لنا بأمثلته التأطيرية، فإن الموتيفات تشمل النزاعات في الانتخابات، الألغاز الإيروسية، تاريخ حياة الجنرال ديفيد بترايوس، المفهوم اللاهوتي عن التنفس، التفسيرات الشعبية لولادة العذراء، تشخيص الحروف الهجائية، والوكالات الأمريكية التي تعرف بالوكالات الأبجدية، التنظيم الاجتماعي للمسكن الأبوي (الأسري)، وأعمال العنف التي حطمت آمال العديد من الناس في ثورات الربيع العربي.
ويقدم حسن الشامي فهرسة للمتداول من الصور والتصورات، والاستعارات، والموضوعات، ليس في السرد العربي والثقافة التعبيرية في العالم العربي حالياً، فحسب، بل في النظام الثقافي العام، والنظام الاجتماعي للعالم العربي في سياق الفهم التاريخي للثقافة والسلوك، وتوفر المصادر النصية قاعدة بيانات رئيسة لعزل هذه الموتيفات، لكنها لا تشكل المواضيع الوحيدة التي يتوجه إليها هذا العمل المكون من مجلدين. فالأنثروبولوجيا الوصفية تثري الدراسة، وإذا ما أخذنا ما أنتجه معاصرونا وأسلافهم على محمل الجدية، فإن كتاب «المكونات الموتيفية للتقاليد الفولكلورية العربية الإسلامية» يُذكّرنا بقوة بالغزارة والعمق المذهلين اللذين صاغوا بهما المفاهيم الجمعية لسائر العالم الاجتماعي. ويعد السرد الفضاء الأمثل للتحقيق في هذه التمثيلات الجمعية للحياة الاجتماعية وشخصية الفرد، ولكن حسن الشامي يظهر لنا أن السرد ليس نهاية الأمر، لأن الموتيفات، كما يشرحها لنا، موجودة في كل مكان.
وفي الختام، يمكنكم أن تتحققوا بأن حسن هو من ضمن الأعضاء الأكثر نشاطاً في الدائرة من حيث تناوله، وانفتاحه على التواصل البحثي المثمر، وعلى مصادر البحث بأنواعها، ولطالما سمعتمونني أتحدث عن هذا الموضوع، وأنا أثير هذا الموضوع في هذا المقام لتوجيهكم للأعمال العلمية المتميزة في جامعة إنديانا، حيث يجد كل من يتمكن للوصول إليها عبر الإنترنت، مجموعة لا بأس بها من أعمال حسن المنشورة، بما فيها كتابه الجديد المكون من مجلدين، الذي نحتفي به اليوم.
نتوجه بالشكر لحسن الشامي، إذ أفسح لنا فرصة الاطلاع على عمله المتميز، وكذلك لكل الذين تعوزهم مصادر معلوماتية ثرية لجامعة تعد من أفضل الجامعات. كما نتوجه بالشكر لقسم الطباعة والنشر في مكتبات جامعة إنديانا، الذين عملوا جاهدين، وأتاحوا لنا ولغيرنا، فرصة الوصول السهل والواسع لما هو متوفر في هذه المكتبات.
إن البحث في عمل حسن الجديد باستخدام كلمة «teacher» - «مُدرس» قد يوحي باستجلاب القلق والمشكلات الاجتماعية التي تكتنف هذا الدور، ولكن يمكننا في الوقت ذاته أن نلاحظ بأن المدرسين الجيدين يلاقون كل الاحترام والتكريم في التقاليد الإسلامية، كما هو الحال في تقاليدنا وأعرافنا، لذلك أنهي حديثي بـتوجيهكم إلى «W0027.2.2» «العرفان للمدرس» Gratitude to teacher، (ولكن من أجل الطرافة، أوجهكم إلى X0350 و X3070 لقراءة بعض النكات والطرائف عن المدرسين والباحثين».
تهانينا لك يا أستاذ حسن على عملك الجديد، ونتطلع للاستمتاع بالاطلاع على مشروعك الكبير القادم.
المراجع
El-Shamy, Hasan M. 2013. Beyond Oedipus: The Brother-Sister Syndrome as Depicted by Tale-Type 872*: A Cognitive Behavioristic, Demographically Oriented, Text Analysis of an Arab Oikotype. Bloomington, IN: Trickster Press.
2016. Motific Constituents of Arab-Islamic Folk Traditions. Bloomington: Indiana University Press.
https://scholarworks.iu.edu/dspace/handle/2022/20938
Noyes, Dorothy. 2016. Humble Theory: Folklore’s Grasp on Social Life. Bloomington: Indiana University Press.